الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

وضع مصانع السجائر ضمن لائحة “الشركات الإرهابية"



الإرهاب لغةً مستخلص من كلمتي: يَرْهَب و رَهِب، بمعنى خاف وتوعد وفَزَّعَ، ووردت بهذا المعنى في القرآن الكريم سبع مرات، وأما الإرهاب حسب التشريعات الوطنية فقد جاء في القانون رقم(58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، حيث عرَّف القانون في المادة رقم (1) الإرهاب بأنه استخدام للقوة أو التهديد باستخدامها، أو أي وسيلة أخرى غير مشروعة تشكل جريمة معاقب عليها قانوناً....إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص وبث الرعب بينهم وترويعهم وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو الصحة العامة... ”.  

كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996 وصفت الإرهابي بأنه “يقوم بأية وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، وبشكل غير مشروع وبإرادته بقتل شخص آخر أو إصابته بجروح بدينة جسيمة، حينما يهدف هذا الفعل بطبيعته، أو وفقاً للظروف المحيطة به إلى ترويع السكان... ”، ودعا مجلس الأمن في عام 2004 جميع الدول إلى مكافحة الإرهاب، وأوجب عليها بأن تمنع وتعاقب على ارتكاب الأفعال ذات الخصائص التالية: أولاً: أن تُرتكب الأفعال ضد المدنيين أو غير المقاتلين بقصد إحداث موت، أو جرح بدني بليغ.

وقياساً على ما سبق، أستطيع أن أُجزم بأن شركات ومصانع التبغ والسجائر تندرج أعمالها ومنتجاتها التي تُسَوقُها منذ قرن فتقتل الملايين من البشر سنوياً وتصيب ملايين آخرين بأمراض مزمنةٍ وبشكلٍ متعمد ومشهود للجميع ضمن “الأعمال الإرهابية”، فهي إذن “شركات إرهابية“ يجب معاقبتها حسب قوانين الإرهاب المحلية والأممية لإلحاقها الضرر للبيئة والبشر، وقتلها وإرهابها للناس عمداً أمام أعين وسمع الجميع.

ويوافقني في هذا الرأي الرئيس التنفيذي للجمعية الأمريكية للسرطان، جون سيفرن(John Seffrin)، الذي أعلن رسمياً في 26 أكتوبر من العام الجاري في المنتدى الدولي لخبراء علم الأورام(World Oncology Forum) في مدينة لوجانو(Lugano) السويسرية، حيث قال في حفل افتتاح المنتدى: لدينا صناعة عالمية رئيسة تنتج مُنتجات قاتلة(lethal) لنحو نصف المدخنين، وهذا المُنتج سيقتل إذا استمر الوضع على ما هو عليه قرابة بليون إنسان هذا القرن، فهذا المنتج قتل 100 مليون في القرن المنصرم، وستكون هذه أكبر كارثة صحية عامة في تاريخ البشرية”، كما أوصى المؤتمرون إلى تصنيف مصانع التبغ ضمن الشركات الإرهابية والتعامل معها على هذا الأساس، لأنها تستهدف الفئات الضعيفة والبسيطة والشباب، وبخاصة في دول العالم الثالث، وتفتح لها أسواقاً جديدة ومنافذ واسعة تدخل منها، علماً بأن شركات التبغ وإنتاج السجائر بمختلف أنواعها وأشكالها تعلم عِلم اليقين منذ أكثر من 70 عاماً بأن منتجها قاتل ويفتك بصحة الإنسان رويداً رويدا، فيُعرِّض حياة المدخن وغير المدخن للموت المبكر والإصابة بالأمراض العضال التي لا علاج لها، وفي مقدمتها سرطان الرئة، والحنجرة، والفم، والكبد، والبنكرياس، والكلية، والمثانة، والدم، وأمراض القلب، والجهاز التنفسي.   

فإذا حصرنا جميع العمليات الإرهابية خلال العقود الماضية في كل دول العالم، ثم حسبنا أعداد الموتى والجرحى جميعاً من كل هذه العمليات، لوجدنا أن العدد الاجمالي لا يساوي عدد الأموات من المدخنين سنوياً في دولة واحدة فقط مثل بريطانيا، حيث يُقدر عدد الموتى من التدخين زهاء 100 ألف بريطاني سنوياً، فالتدخين يقتل نحو 6 ملايين إنسان على المستوى الدولي، منهم 5 ملايين من المدخنين، وأكثر من 600 ألف من غير المدخنين بسبب التدخين السلبي والجلوس مع المدخنين، حسب تقارير منظمة الصحة العالمية. 

فكيف تتعامل الدول ومنظمات الأمم المتحدة مع قضية واحدة بمنظورين مختلفين جداً، وتتعامل معها بأسلوبين متضادين في بعض الأحيان؟

وكيف تستخدم معايير مزدوجة لهذه القضية، وهي في نهاية المطاف تدخل ضمن قضية “التسبب في موت الإنسان بشكلٍ متعمد” و “إلحاق الضرر بتعمدٍ ونيةٍ مبيتةٍ بالبيئة والصحة العامة”، سواء أطلقنا علي هذه القضية عنوان “الإرهاب”، أو أي عنوانٍ آخر مختلف، فالجوهر واحد، والمضمون واحد، والنتيجة واحدة، هي “الموت والضرر”، وسواء أطلقنا على الجهة التي تقوم بها “منظمات إرهابية” أو غير ذلك من المسميات.

ولكننا أصبحنا الآن نعيش في عصر ازدواجية المعايير، فلا غرابة إذن أن نُطلق على عملية يموت فيها إنسان واحد بأنها عملية إرهابية، والذي قام بها شخص أو منظمة إرهابية، وتقوم كل دول العالم بمحاربتها والتنديد والشجب الشديد بها، في حين أن شركات التبغ التي قتلت الملايين حتى الآن، وستقتل في القرن القادم بليون إنسان، يتم التعامل معها بأنها شركات مرموقة تثري اقتصاد الدول، والقائمون عليها رجال اقتصاد وأعمال ووجهاء!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق