الجمعة، 16 سبتمبر 2016

من يُحيي المخلفات المدفونة وهي رَمِيْم؟



يؤمن المسلم بأنه عندما يموت سيبعثه الله من جديد، فسيُحيي الله عِظامنا المتَفَتتة البالية مثل التراب، كما أَنْشَأَهَا أول مرةٍ من غير شيء، وسيُعيدنا مرة ثانية ويبعثنا من قُبورنا ومن بطن الأرض ليوم العقاب والحساب والثواب، فإما إلى جنة عرضها السماوات والأرض وإما إلى النار، ولكن في المقابل أطرح تساؤلات تؤرقني دائماً وهي ماذا سيحدث لملايين الأطنان من المخلفات الصلبة وشبه الصلبة بأنواعها المختلفة من نووية مشعة قاتلة ومخلفات خطرة غير مشعة التي دفنها الإنسان في مقابر جماعية كثيرة في ظلمات قاع الأرض، وظَن أنه قد تخلص منها كلياً منذ أكثر من 70 عاماً، ومازال حتى الآن يقوم بهذه الممارسات؟

فهل ستخرج علينا هذه المخلفات يوماً ما من أعماق بطن الأرض السحيقة، وتعود إلينا مرة ثانية وكأنها استيقظت من جديد، فتسبب لنا أَرقَاً وهماً شديدين لا يمكن التخلص منهما، كما كان عليه الحال قبل دفنها؟

وهل ستُبعث مخلفات الدمار الشامل هذه يوماً ما من آلاف المقابر الجماعية المنتثرة في كل أرجاء العالم؟ وهل سيكون يوم خروج المخلفات من مقابرها قريباً أم بعيداً؟

كل هذه التساؤلات يطرحها العلماء الآن، وهي هموم وشؤون واقعية قد تحدث في المستقبل في أية لحظة، وليست من نسج الأحلام العلمية أو من أفلام هوليود الخيالية، وقد ثارت هذه الاستفسارات والتحذيرات المنطقية نتيجة للتغيرات المزمنة التي تطرأ حالياً على الكرة الأرضية من ارتفاعٍ مشهودٍ في درجة الحرارة، والتغير المناخي، وذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي، وارتفاع مستوى سطح البحر، ووقوع الفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى، وكل هذه النوائب الجسام ستُوقع أضراراً فادحة، وتُولِّد آثاراً عظيمة مدمرة على المرافق فوق سطح الأرض وما تحمل في بطنها وفي أعماقها تحت السطح.

ومن التحديات الحديثة التي بَرزت إلى السطح نتيجة للتغيرات المناخية التي تشهدها الكرة الأرضية هي ارتفاع حرارة الأرض وما ينجم عنه من سرعة ذوبان الثلوج في القطب الشمالي خاصة، وهذه الظاهرة التي تحدث حالياً بمعدلات بسيطة قد تكون لها عواقب وخيمة لا يعلم مداها إلا الله.

ومن الحالات الواقعية الكارثية التي قد تقع نتيجة لانصهار الثلوج تلك التي نُشرت في الرابع من أغسطس من العام الجاري في مجلة(Geophysical Research Letters). فمشهد هذه الحالة ومسرح العمليات يقع في المناطق الثلجية في القطب الشمالي في جرينلند(Greenland Ice Sheet)، وبالتحديد في بقعةٍ استخدمت كقاعدة بحثية عسكرية أمريكية في نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، وأُطلق عليها مخيم القرن(Camp Century). وبعد إغلاق القاعدة في عام 1967 تم التخلص من آلاف الأطنان من مخلفات وقنابل الدمار الشامل البيولوجية، والنووية، والكيميائية من خلال وضعها في مقابر جماعية على شكل أنفاقٍ متشابكة وسرية تحت سطح الأرض في أعماق الثلوج المتراكمة، وظن القائمون على العملية بأنهم قد تخلصوا منها إلى الأبد، فهي ستبقى هناك خالدة مخلدة في مقاربها بعيدة عن أعين وآذان البشر، وستتراكم عليها يوماً بعد يوم الثلوج الكثيفة التي تنزل عليها بغزارة وباستمرار كل ساعة.

ولكن الآن وبعد أن نَسي العالم وجود هذه المقبرة، وبعد مضي أكثر من 49 عاماً على الدفن، يُحذر العلماء من احتمال انبعاث هذه المخلفات من مقابرها وخروجها مرة ثانية من بطن الأرض إلى سطحها، حيث أشارت المشاهدات والتوقعات أنه منذ الفترة من عام 2007 إلى 2011 فَقَدتْ الأسطح الثلجية في مقبرة المخلفات في جرينلند نحو 260 بليون طن من الثلج، أي نحو 8000 طنٍ في الثانية،وذلك بسبب ذوبانها نتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض، وهذه العملية ستستمر بوتيرةٍ أسرع كلما ارتفعت درجات الحرارة أكثر، مما يُعري ويكشف سوءة مخلفات الدمار الشامل من مقبرها ويظهرها على السطح مرة ثانية.

والسؤال الخطير والشائك المطروح الآن هو: لو حَدَثَ هذا بالفعل، فمن سيتحمل مسؤولية مخلفات وقنابل الدمار الشامل؟ فهل هي أمريكا التي قامت ببناء هذه القاعدة ودَفَنت المخلفات فيها، أم الحكومة الدنمركية التي سمحت لأمريكا بإقامة هذه القاعدة العسكرية عندما كانت جرينلند تحت سيطرتها، أم جرينلند نفسها التي تُعد حالياً مقاطعة مستقلة؟

فلا شك بأن هذه الطامة الكبرى ستخلق أزمة بيئية وسياسية خانقة ومعقدة لا يمكن التكهن بكيفية الخروج منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق