الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

إعلان مُثير للمَحْكمة الجنائية الدولية


أَعلنتْ المحكمة الجنائية الدولية في 16 سبتمبر من العام الجاري عن خبرٍ جديد لم نعهده من قبل من هذه المحكمة، ولم يقع ضمن دائرة اهتمامها، وليس له علاقة مباشرة بأهداف إنشائها، ويتلخص الخبر في أن المحكمة قد وسَّعَتْ من دائرة اهتماماتها واختصاصاتها، فهي منذ اليوم ستعطي اهتماماً خاصاً لملاحقة ومتابعة الجرائم المتعلقة بتدمير البيئة.

 

وبناءً على هذا الخبر أطرح السؤال التالي: هل تدمير البيئة ومكوناتها الحية وغير الحية من ماءٍ وهواءٍ وتربة ومحيطات وأنهار وبحار ومياه جوفية وقتل الحياة الفطرية من نباتات وحيوانات تُعد من "الجرائم"، وهل ترقى إلى الجرائم الدولية كجرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الإبادة الجماعية؟

 

وهل الجرائم البيئية التي يرتكبها الأفراد، أو الشركات، أو الدول يمكن أن تقع ضمن دائرة اختصاصات وأهداف إنشاء المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست عام 2002 كأول محكمة دولية قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الحرب؟ فهل يحق لهذه المحكمة التحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي تلحق يومياً بمكونات بيئتنا؟

 

ولكي أجيب عن هذا السؤال أَرجِع إلى تعريف وتصنيفات الجرائم الدولية حسب القوانين الدولية، حيث إن الجرائم الدولية، وبالتحديد الجريمة ضد الإنسانية تعني أي فعل من الأفعال المحظورة والمـُحَددة في نظام روما متى ارتكبت في وقت الحرب أو السلام، وفي إطار هجومٍ واسع النطاق، أو منهجي مُوجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وتتضمن مثل هذه الأَفعال القتل العَمْد، والإبادة الجماعية، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل والتهجير القسري للسكان، وجريمةِ التفرقة العنصرية وغيرها.

 

واستناداً إلى هذا التعريف المتعلق بالجرائم الدولية وأنواعها، والتي من ضمنها "القتل العَمْد"، أُقدم لكم مثالاً صارخاً لجريمة بيئية تُرتكب في كل ساعة في حق البيئة والإنسانية منذ أكثر من سبعين عاماً ولم يتحرك أحد لمحاسبة الجناة والمذنبين، وهو تلوث الهواء الناجم عن التدخين بأنواعه وأشكاله وأسمائه المختلفة وانعكاساته المشهودة على صحة البيئة وأمن الإنسان في كل أرجاء المعمورة.

 

فشركات التبغ والسجائر قتلت ومازالت تقتل "عمداً" ومع سبق الإصرار والترصد ملايين البشر منذ ولادة السجائر، فهي منذ عام 1959 كانت تعلم بخطورة التدخين على الإنسان، كما كانت تعلم بأن التبغ الذي يوضع في السجائر يحتوي على مادة مشعة هي عنصر البولونيوم-210(polonium-210) المُشع، وأن الملوثات التي تنتج عن دخان السجائر تحتوي أيضاً على مادة مشعة قاتلة، وأخرى مسرطنة تؤدي إلى الموت الجماعي للمدخنين ولمن يجلس حولهم. وقد اعترفت هذه الشركات بهذه الحقائق التي تم اكتشافها بعد عقودٍ طويلة من نشر السم في شرايين البيئة وجسم الإنسانية، أي أنها اعترفت بجريمتها الشنعاء المتعلقة بالقتل العمد حتى يومنا هذا للملايين من الناس في كل أنحاء العالم، فهل ستتحرك المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة هذه الشركات ومطاردة مرتكبي هذه الجريمة البيئية الصحية ضد الإنسانية؟

 

وفي السياق نفسه هناك الدول الغربية الصناعية الكبرى التي استباحت حرمات البيئة لعقودٍ طويلةٍ من الزمن واعتبرتها مُلكاً شخصياً لها تفعل بها ما تشاء دون حسيبٍ أو رقيب، فارتكبت جرائم بيئية أخرى ضد الإنسانية وضد الكرة الأرضية برمتها، مثل جريمة تدمير طبقة الأوزون التي تقي الإنسانية جمعاء من الهلاك والتعرض للأشعة البنفسجية القاتلة القادمة من الشمس، أو جريمة انبعاث الغازات من آلاف المصانع التي تبث سمومها منذ أكثر من مائتي عام، والمتهمة بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض والكوارث الخطيرة التي تقع بسبب سخونة الأرض على البشرية جمعاء.

 

فكل هذه أمثلة بسيطة على جرائم بيئية ارتكبتها أيدي الغرب خاصة في حق الإنسانية، وكلها يمكن اعتبارها جرائم دولية وتقع ضمن الجرائم ضد الإنسانية، فهل للمحكمة الجنائية الدولية القوة والسلطة على محاكمة الأفراد، أو الشركات، أو الدول الغربية الصناعية على هذه الجرائم، أم أنها مختصة فقط لمحاكمة الأفراد في دول العالم الثالث، وبخاصة الدول الأفريقية؟  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق