الأحد، 11 سبتمبر 2016

أطفال العراق بين القتل والمرض



عيناي تفيض دماً وليس دمعاً، وقلبي يعْتَصُر ألماً وحسرة، ونفسي تتقطع حزناً وأسفاً لحال بلد الرافدين، العراق، وما آلت إليها أوضاع هذا البلد العربي المسلم من دمارٍ وتفتيتٍ وانقسام، وضحايا بشرية تتساقط أمام أعيننا كل يوم.

ولكن الأدهى من ذلك كله والأمر هو الكثير من الخراب والفساد الصحي والبيئي الذي حَلَّ بالشعب العراقي، وبخاصة الأطفال نتيجة للمعارك والحروب، والذي لا تراه أعيننا في وسائل الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي، ولا نسمع عنه أو نقرأ تفاصيله وعمق وانتشار دائرة تأثيره على المجتمع العراقي عامة إلا من خلال الاطلاع على الدراسات المتخصصة والأبحاث المنشورة في المجلات العلمية والبحثية.

ومنها مؤخراً دراسة تحت عنوان:"التعرض قبل الولادة في الشرق الأوسط: أثر الحرب على صحة أسنان الأطفال" والمنشورة في 28 يونيو 2016 في مجلة تقييم ومراقبة البيئة(Environmental Monitoring and Assessment)، حيث قامت هذه الدراسة الميدانية بتحليل مستوى العناصر الثقيلة السامة، مثل الرصاص والزئبق في أسنان أطفال العراق الذي عانوا من مشكلات أثناء الولادة، والأجنة التي عانت من تشوهات خَلْقية وإعاقات جسدية وعقلية، وتمت مقارنتهم بأطفال لبنان وإيران الأصحاء، فوجود هذه العناصر السامة في أعضاء جسم الإنسان يُعد مؤشراً حيوياً على التدهور الصحي الذي يعاني منه الأطفال في العراق وأعداد الضحايا البشرية التي سقطت نتيجة لتلوث الهواء الجوي.

وقد أكدت الدراسة على اكتشاف مستوياتٍ مخيفة للملوثات السامة، وبالتحديد الرصاص وتراكمه منذ سنوات في أجسام الأطفال وتهديده لصحتهم وتعريضه لهم للإعاقات الجسدية والعقلية، حيث زادت مستويات الرصاص في أسنان بعض أطفال العراق خمسين ضعفاً مقارنة بأطفال لبنان وإيران، ومن المعروف علمياً أن الرصاص يؤثر على مستوى الذكاء عند الإنسان ويصيبهم مع الوقت لمشكلات ذهنية وعقلية مزمنة، كما أكدت الأبحاث أن تراكم الرصاص في جسم الإنسان يؤدي إلى زيادة مَيل هذا الإنسان نحو السلوكيات الخاطئة والتصرفات المنحرفة والعنيفة وارتكاب أعمال الشغب والجرائم.

كذلك هناك أبحاث نُشرت قبل سنوات أكدت على تدهور صحة المواطنين العراقيين بسبب الحروب نتيجة لاستخدام شتى أنواع الذخائر والقنابل التقليدية وغير التقليدية، ومنهاقنابل اليورانيوم المنضب أو المستنفد(depleted uranium) والقنابل الفسفورية البيضاء الحارقة، فعلى سبيل المثال، هناك دراسة  نُشرت في نوفمبر 2012في مجلة "التلوث البيئي والسُمية"(Environmental Contamination and Toxicology Bulletin)، تحت عنوان: "التلوث بالعناصر وَوَبَاء ولادة الأطفال المشوهين في المدن العراقية"، وهذه الدراسة أجراها باحثون من كلية الصحة العامة بجامعة ميشيغان(University of Michigan) وأطباء من مستشفى البصرة للولادة على الأطفال المولودين في مستشفى الولادة بالبصرة قبل الغزو الأمريكي وبعد الغزو منذ مارس 2003، وقامت بمقارنة أعداد الأطفال المولودين بتشوهات عضوية بَدَنية في الفترتين الزمنيتين.

ففي الفترة بين 1994و 1995 كانت الولادات المشوه لكل 1000 ولادة هو 1.37، في حين عام 2003 بلغت 23 لكل 1000، ثم تضاعف العدد 17 مرة في السنوات من 2003 إلى 2011. أما بالنسبة لحالات الإجهاض للنساء الحوامل فقد زادت من 10% قبل الغزو إلى 45%.

وجدير بالذكر أن آثار غزو العراق لم تؤثر على العراقيين فحسب، وإنما رَدتْ على الجنود الأمريكيين أنفسهم وتضرر منها عشرات الآلاف منهم فتجرعوا من السم نفسه، حيث أعدَّ ضابط أمريكي اسمه جوزيف هيكمان(Joseph Hickman) كتاباً نُشر في فبراير 2016 تحت عنوان :"الحُفَر المحترقة: تسمم الجنود الأمريكيين"، وأكد فيه بالأدلة العلمية والوثائق الرسمية أن أكثر من 85 ألف جندي أمريكي من الذين شاركوا في احتلال العراق يعانون الآن من أعراضٍ مرضية غريبة في الجهاز التنفسي وصعوبات وضيق في التنفس وأمراض عصبية أخرى، وقد نزلت عليهم هذه الأمراض بسبب حرق المخلفات العسكرية النووية وغير النووية من ذخائر ومعدات، ومبيدات، وأدوية، ومخلفات كيميائية، ونفايات طبية، في حفرٍ بدائية في الهواء الطلق فتعرضوا مباشرة لخليطٍ معقدٍ وسام من الملوثات الكيميائية المشعة وغير المشعة التي انبعثت منها. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق