الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

هل ستَصْمد فولكس واجن أمام الضربات؟


إذا كُنتَ مصارعاً عنيداً، وملاكماً صنديداً قوياً في حَلبة المصارعة، وأمامك خصم يوجه لك اللكمات المتلاحقة في بطنك ورأسك وخصرك لعدة جولات، فهل تستطيع أن تصمد أمام هذه الهجمات المتتالية؟ وهل تتمكن من الوقوف طويلاً لتدافع عن نفسك، أم أن قُواك ستنهار في نهاية الأمر وتسقط صريعاً على الأرض؟

 

فهذا ما يحدث الآن لشركة فولكس واجن، هذه الشركة الألمانية العملاقة التي تُعَد فخر الصناعة الألمانية ومن أكبر شركات السيارات في العالم وأكثرها مبيعاً لعدة أنواع من السيارات المعروفة على المستوى الدولي مثل أُودي، وبِنْتلي، وبُورش، فهذا الصرح الشامخ في عالم السيارات انهالتْ عليه اللكمات من كل جهة منذ أن سقط في فضيحةٍ مُدوية انتقل صداها إلى كل قُطْرٍ في العالم وقد تُلقى به إلى الهاوية، حيث أثرت بشكلٍ مباشر بسمعته الدولية، وأضرت كثيراً بمبيعاته في كل الدول بدون استثناء، ورُفعت ضده الآلاف من القضايا المدنية والجنائية في محاكم دول العالم تُطالب بتعويضات تبلغ مئات المليارات من الدولارات.

 

ولكي تتعرفوا على حجم الضرر القانوني والمادي والمعنوي والاقتصادي الذي يلاحق فولكس واجن في كل مكان في العالم، وتَتَأكدوا بأنفسكم من قوة الضربات القانونية التي على الشركة مواجهتها والتصدي لها، دعوني أُقدم لكم بعض الأمثلة الصارخة.

 

أولاً: في الثاني من أغسطس من العام الجاري أعلنت كوريا الجنوبية تعليق كافة مبيعات شركة فولكس واجن في الدولة، وطالبت الشركة بدفع غرامة مالية تبلغ قرابة 15 بليون دولار بتهمة التزوير والغش في الوثائق المرتبطة بنوعية وحجم الإنبعاثات التي تنطلق من سيارات الديزل التي تم تصديرها إلى كوريا الجنوبية.

ثانياً: في التاسع من يوليو من العام الجاري تلقت فولكس واجن ضربة موجعة وقوية جداً، اضطرت على إثرها دفع غرامة مالية باهظة لجمعيات حماية حقوق المستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى 14.7 بليون دولار لتسوية فضيحة تصدير سيارات مغشوشة عددها 475 ألف سيارة ديزل.

ثالثاً: وافقت فولكس واجن في يونيو على تحمل ضربة أخرى من 44 ولاية أمريكية، حيث إنها ستدفع مبلغاً قدره 603 ملايين دولار كجزاءات وتعويضات لجميع مالكي هذه السيارات المغشوشة والمزورة.

رابعاً: في المستقبل القريب ستتلقى فولكس واجن لَكَمات كثيرة بسبب القضايا الأخرى المرفوعة ضدها في عدة دول، وبعضها قضايا بتهمٍ جنائية، ومنها قضية مرفوعة من الحكومة الألمانية نفسها تطلب فيها غرامات لأسباب "تأديبية" وأخلاقية لعدم تحمل الشركة لمسؤولياتها المهنية والإنسانية والقيام عمداً بعملية التزوير والغش لمنتجاتها، وبالتحديد السيارات التي تعمل بوقود الديزل، وهذه الغرامات ستمثل ضربات ثقيلة ترهق كاهل ميزانية هذه الشركة، وحتماً ستؤخر نموها وتطويرها لمنتجات جديدة تنافس بها الشركات الأخرى المتربصة بها.

خامساً: في 22 أغسطس من العام الجاري توقفت شركة فولكس عن الإنتاج كلياً في عددٍ من مصانعها لأكثر من أسبوع، وهذا كَلَّف الشركة خسائر تُقدر بأكثر من 70 مليون دولار أمريكي، وأدى إلى تَوَقُف قرابة 27700 موظف عن العمل.

 

فهذه الكارثة الأخلاقية التي فاحت رائحتها النتنة من ألمانيا إلى العالم في 18 سبتمبر عام 2015 وتحت سمع وبصر وعِلْم دول الاتحاد الأوروبي، حسب تحقيق مجلة الشبيجل الألمانية في 19 أغسطس من العام الجاري، عَلَّمتني شخصياً الكثير من الدروس، واستخلصتُ منها العديد من العِبر، وخرجت منها بخبراتٍ جديدة في مسيرة حياتي، وأود هنا أن أشاطركم كل هذه الدروس والفوائد، ومنها أن لا نثق كلياً بما تدَّعيه وتسوقه الشركات العملاقة الكبرى، سواء شركات السيارات، أو الأدوية، أو منتجات التبرج والجمال والزينة، أو غيرها من الشركات التي تصنع المنتجات الاستهلاكية، فثقافتها المتجذرة في مؤسساتها هي التسويق الكبير والربح السريع وجني المال الوفير باتخاذ كافة الوسائل المباحة والمشروعة، أو المحرمة وغير المشروعة وعلى حساب أي شيءٍ آخر، سواء صحة الإنسان وسلامته، أو أمن البيئة وعافيتها، ولذلك علينا أن تَكُون لنا قنوات وآليات شعبية خاصة نتأكد عن طريقها من كل ادعاءات هذه الشركات عن منتجاتها التي تطرحها في الأسواق.

 

أما الفائدة الثانية فإن الجشع والكذب والتزوير والغش من أجل جني المال من الحرام يُوقع الإنسان أولاً في الإثم العظيم في الدنيا، والعقاب الأليم والخزي والندامة في الآخرة، كما إنه في الوقت نفسه، كما يقول المثل الشعبي: حَبْلْ الكذب قصير"، تنكشف الفضائح ولو بعد حين ويظهر الكذب والغش ولو بعد سنوات، وعندها ستضيع كل مكتسبات هذه الشركة، وستسقط إلى الحضيض الاجتماعي والاقتصادي وقد تقفل أبوابها بالشمع الأحمر إلى الأبد.

 

وبالرغم من هذه النْكبة الكبرى والكارثة العظمى التي زلزلت هذه الشركة وافتضح أَمْرُها في كل دول العالم، إلا أن الشركات العملاقة بشكلٍ عام لا تريد أن تتعلم من هذه الدروس التي تُلدغ منها كل يوم، فهي تُكرر التجربة نفسها من غشٍ وكذبٍ وتزوير على الشعوب لأن هذه هي ثقافتها وتربيتها، وآخرها ولكن تكون حتماً هي الأخيرة ما قرأتُ عن شركة هارلي ديفيدسن للدراجات النارية(Harley-Davidson) في 19أغسطس من العام الجاري، حيث صَرحتْ وزارة العدل الأمريكية بأن الشركة وافقتْ على دفع غرامة مالية قدرها 12مليون دولار للغش في الأجهزة التي تضعها في دراجاتها والمعنية بخفض انبعاثها للملوثات، أي كما فعلت فولكس واجن بالضبط!

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق