الأحد، 14 أغسطس 2016

بين الجَسْرين، وتوجيهات رئيس الوزراء


"بين الجَسْرين" عنوانٌ لمقالٍ نشرته في أخبار الخليج في يناير 1997، ولا أتذكر يوم النشر بالتحديد، وكُنتُ أقصد بالجسرين، جسر الشيخ حمد بن عيسى وجسر الشيخ عيسى بن سلمان الذي افتتح رسمياً في السابع من يناير عام 1997، حيث رأيتُ في هذه البحيرة الجديدة الواقعة بين البحرين كل مقومات السياحة البيئية العائلية التي يمكن الاستفادة منها، وإنشاء مشاريع سياحية وترفيهية عليها.

 

فمن خلال المقال دعوتُ إلى استغلال هذه الدوحة الجميلة التي تتميز بصفاء مائها، وهدوء التيارات البحرية فيها، وضحالة عمقها، وموقعها الاستراتيجي الهام في عمق جزيرة البحرين، وفي وسط المنطقة الحضرية الصاخبة المكتظة بالعمران وحركة السيارات والأنشطة الأخرى، والتي يمكن للجميع الوصول إليها دون تحمل عناء السفر، أو مشقة قطع المسافات الطويلة للوصول إليها، أو صرف أموال باهضة للتمتع بها، فهي يمكنها أن تكون منطقة جذبٍ سياحي للمواطنين والمقيمين في الداخل، إضافة إلى القادمين إلينا من خارج البحرين، وبخاصة بالنسبة للرياضات المائية البحرية كالسباحة، والقوارب بجميع أنواعها وأشكالها، والـ"جِــيتي سكي"، وغيرها من الألعاب الأخرى.

 

وقد غمرني الآن السرور والفرحة الكبيرين عندما قرأتُ مؤخراً عن توجيهات رئيس الوزراء لعمل خطةٍ ميدانية تنفيذية لتطوير هذه المنطقة التي أشرتُ إلى الاهتمام بها قبل 19 عاماً، وجعلها متنفساً للأهالي ومعلماً ترفيهياً وجمالياً وسياحياً، حيث أكد رئيس الوزراء على ضرورة أن تشتمل الخطة على مرافق ومنشآت تتيح للناس فرص الاستجمام والراحة وممارسة مختلف الهوايات والأنشطة وتكون نقطة جذبٍ سياحي عائلي.

 

ولذلك فإنني أدعو مرة ثانية إلى استخدام سياسة واستراتيجة "التنمية المستدامة" لأعمال التطوير في هذه البحيرة، أي التنمية دون تدمير ٍأو إفسادٍ للمنطقة البحرية والحياة الفطرية التي تزخر بها بشقيها النباتي والحيواني، وهذا يعني تنمية المنطقة بيئياً، واقتصادياً، واجتماعياً، دون أن يطغى الجانب الاقتصادي على البعديد الآخرين البيئي والاجتماعي، وبالتحديد فإنني أقترح ما يلي:

أولاً: إعلان المنطقة البحرية "محمية بحرية طبيعية" بمرسومٍ ملكي يوضح فيه حدود المحمية كلها من كافة جهاتها، وتُصدر لها شهادة مسح وتنشر للجميع، حتى لا يتعدى أي مستثمرٍ على حرماتها وحدودها وجسمها البحري والحياة الفطرية فيها، ولا يتم دفن أي شبرٍ منها بحجة "التنمية والتعمير".

 

ثانياً: عدم المساس بهوية البحيرة وخصوصيتها من حيث الحظور الموجودة في البحر حالياً، وعدم التعدي على أساليب الصيد التقليدية الأخرى التي تمارس في هذه البحيرة، فهذه جزء من السياحة البيئية التي يدعو إليها المجتمع الدولي، كما هي جزء هام من تراث البحرين التقليدي البيئي والاجتماعي الذي يجب حمايته والمحافظة عليه، وتثقيف السواح وتوعيتهم بأهمية هذا النوع من الصيد غير الجائر والمستدام.  

 

ثالثاً: وضع لوائح وأنظمة حازمة وصريحة على الأسلوب المسموح استخدامه في التعمير والبناء ونوعية الآليات التي يمكن الاستفادة منها، بحيث يأخذ في الاعتبار تقنيات وأساليب "العمارة البيئية" أو "التصميم البيئي".

 

رابعاً: الاستفادة من تجربة وخبرات إنشاء "محمية دوحة عراد البحرية"، والتي ساهمتُ أكثر من سبع سنوات في السهر على تنفيذها، منذ أن كانت فكرة بسيطة وليدة إلى أن تحولتْ إلى معلمٍ بيئي واجتماعي وترفيهي لكل سكان البحرين وليس لأهالي المحرق فحسب، فهذه البحيرة الجديدة لا تختلف في الكثير من مقوماتها ومعالمها ومميزاتها عن محمية دوحة عراد البحرية. 

 

خامساً: تصنيف المنطقة البحرية الساحلية كـ"مُلك عام"، وليس ملكاً خاصاً يستغله وينتفع به أحد مالكي الفنادق أو المرافق التي ستبنى في المنطقة، فالجميع يجب أن يتمتع بهذه الثروة الطبيعية المشتركة والعامة، والجميع يستفيد من جمال البحر وخيراته الوفيرة، والجميع يستحم فيه ويمارس هواياته البحرية بكل حريةٍ وطلاقة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق