الخميس، 25 أغسطس 2016

إذا أردتَ أن تحافظ على قَلْبك فحافظ على بيئتك



هناك انطباعٌ شائع وخاطئ عند الكثير من الناس، ومن بينهم بعض الأطباء أن تلوث الهواء يضر بصحة الجهاز التنفسي فقط ولا يؤثر على أعضاء الجسم الأخرى، ولكن الأبحاث الحديثة والدراسات الطبية التي نُشرت مؤخراً تؤكد بأن التلوث يُهلك أهم وأغلى عضوٍ يمتلكه الإنسان في جسمه، ويعتمد عليه في كل حركة أو ساكنة من كل ثانيةٍ تمر عليه في حياته اليومية، إذ لا حياة لأي بشرٍ بدون هذا العضو، ألا وهو القلب، كما صدَّق على ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحي يوحى، عندما قال: "أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ".

 

وهذا يعني أن تلوث الهواء جِدُ خطير، ويهدد الأمن الصحي للبشر، ويعرقل استدامة حياتهم على سطح الأرض، فهو يهلك الحَرث والنسل ويقضي على الأخضر واليابس، فلا بد إذن من إعطائه الأهمية القصوى، وجعله في سُلم جدول أعمال الأولويات.

 

وللتأكيد على هذه الحقيقة، فقد نَشرتْ مجلة لانست لِعلم الأعصاب(Lancet Neurology) المعروفة عالمياً دراسة شاملة في يوليو من العام الجاري قامت بتحليل الأمراض التي تصيب الإنسان في 188 دولة من دول العالم للتعرف على المخاطر ومسببات التعرض للسكتة والعوامل التي تحفز وقوعها خلال الفترة من 1990 إلى 2013، إضافة التعرف عن كثب على أشد العوامل مساهمة في وقوع الإنسان في فخ السكتة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وتلوث الهواء، والبدانة، والعادات الغذائية، والتدخين، وغيرها.

 

فقد أفادت الدراسة على أن هناك قرابة 15 مليون إنسان حول العالم يسقطون في شباك التعرض والإصابة للسكتة، فيموت منهم ستة ملايين وينقلون مبكراً إلى مثواهم الأخير، وزهاء خمسة ملايين يصابون بإعاقات جسدية مزمنة مثل الشلل، أو فقدان البصر، كما أشار الباحثون على الدور القاتل لتلوث الهواء وأن 17% من حالات التعرض للسكتة مرتبطة بتلوث الهواء، كما أكدوا إلى أن العلماء في السابق استصغروا واستهانوا بقُدرات تلوث الهواء على تدمير صحة البشر، ولم يدركوا حقيقة وحجم هذا الخطر الذي داهم الإنسان حديثاً، ولم يعلموا عن حدة ودرجة تأثيراته المدمرة لسلامة الناس أجمعين، ولذلك فإن هؤلاء العلماء يدقون الآن ناقوس الخطر حول التهديد الذي يمثله تلوث الهواء لقلب الإنسان، وبالتالي إسهامه الكبير والمشهود في الإصابة بأمراض القلب والموت المبكر.

 

وعلاوة على هذه الدراسة الجامِعة فقد أشارت دراسة متخصصة نُشرت في مجلة الجمعية الأمريكية للقلب وهي مجلة"ارتفاع ضغط الدم"(Hypertension) في يونيو من العام الجاري تهدف إلى سبر غور العلاقة بين ارتفاع ضغط الدم، الذي هو الآن يُعد من أكثر أمراض القلب العصرية انتشاراً، والتعرض لملوثات الهواء الجوي، حيث أبدى الباحثون استغرابهم واندهاشهم من النتيجة التي حصلوا عليها، إذ أكدوا بأن استنشاق الهواء الملوث مثل أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت والدخان الذي ينتج عن السيارات ومحطات توليد الكهرباء والمصانع، سواء لفترةٍ قصيرة أو طويلةٍ من الزمن، يزيد من مشكلة ضغط الدم عند الإنسان ويرفع من درجته وحدته، وهذا في حد ذاته يؤكد أن هناك عاملاً جديداً ومحفزاً قوياً قد دخل على الخط، إضافة إلى المسببات التقليدية المعروفة الأخرى كالملح، والبدانة، وعدم ممارسة الرياضة، والذي يؤدي إلى ارتفاع ضغط دم الإنسان، وبالتالي وقوع مشكلات وأزمات في القلب.

 

ومن أشد الملوثات تهديداً لصحة القلب هو الدخان، أو الغبار والجسيمات الدقيقة حسب الدراسة الوبائية الشاملة المنشورة في مجلة اللانست(The Lancet) في 24 مايو من العام الجاري، والتي أُجريت على أكثر من ستة آلاف أمريكي من ست ولايات، حيث أكدت بأن الغبار ولو بنسبٍ منخفضة يؤدي إلى أمراض القلب المزمنة، مثل تصلب الشرايين والسكتة القلبية، أي تعجيل الدخول في القبر.

 

وبالتالي فإن هناك إجماع علمي وطبي الآن على أن تلوث الهواء، ولو كان بنسبٍ بسيطة أقل من المواصفات والمعايير التي وضعها الإنسان لجودة الهواء، يؤثر بشكلٍ كبير على كافة أعضاء الجسم، وفي مقدمتها القلب، ولذلك إذا أردنا أن تستقيم حياتنا ونعيش سعداء أصحاء، فيجب علينا جميعاً أن نُبعد عن أنفسنا شبح التلوث ونمنع مصادره من مجتمعنا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق