الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية مازالت مستمرة


الولايات المتحدة الأمريكية دخلت معارك كثيرة وفي جبهات متعددة، وانتصرت في البعض منها، ولكنها ومنذ قرابة خمسين عاماً تعاني من حربٍ ماراثونية فريدة من نوعها كحرب داعس والغبراء، دَخَلت فيها دون إرادتها ودون أي تخطيطٍ مسبق لها، ولم تتمكن حتى الآن من حسم هذه الحرب الضروس لصالحها. وهذه الحرب تختلف كلياً عن الحروب والمعارك التقليدية التي خاضتها من قبل، فهي حرب من نوعٍ آخر جديد دوغت الإنسان الأمريكي ووقف جيشها المتطور الجرار أمامها متحيراً مكتوف اليدين، وكبَّدت الخزينة الأمريكية مبالغ مالية طائلة، فهي إذن حرب حديثة لم يتعود عليها الإنسان، وليست له خبرة طويلة في مكافحتها، إذ لا تُستخدم فيها الدبابات والصواريخ والمدرعات العسكرية القتالية، فأسلحتها مختلفة، وتكتيكاتها لمواجهتها جديدة، والتعامل معها بحاجةٍ إلى أساليب إبداعية مازال العقل الأمريكي المتقدم يجهل معالمها، ولا يعرف الكثير عن تفاصيلها وهويتها.

 

هذه الحرب تبدأ عندما يُدخل الإنسان بإرادته أو عن طرق الصدفة كائناً حياً نباتياً أو حيوانياً في وسطٍ بيئي، كالمسطحات المائية من الأنهار والبحار والبحيرات، وهذا الكائن لا ينتمي أصلاً إلى تلك البيئة، فهو أجنبي ودخيل عليها وعلى كائناتها الفطرية التي تعيش في تلك البيئات منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، فتبدأ هذه الكائنات بغزوٍ عسكري بطيء وهادىء لهذه الأوساط البيئية عندما تتكاثر بشكل طفري كبير وتتزداد أعداها مع الزمن، وعندها تحتل هذه المنطقة كلياً وتقضي على الكائنات الفطرية التجارية وغير التجارية وتهدم النظام البيئي الطبيعي من جذوره وتسبب في وقوع كارثةٍ بيئية واقتصادية وغذائية عامة، تنعكس بشكلٍ مباشر على أنشطة الإنسان التنموية، فيضطر الإنسان إلى إعلان الحرب للدفاع عن نفسه وبيئته ومكتسباته من هذا الغزو الأجنبي والاحتلال القسري.

 

وهذا ما حدث بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم في السبعينيات من القرن المنصرم غرس أول بذرةٍ عدائية خبيثة، وأول فتيلة صغيرة أشعلت نيران الحرب عندما قامت أمريكا بتوطين ومنح الجنسية الأمريكية لنوعٍ من الأسماك يعرف بالشبوط أو الكارب الآسيوي(Asian carp)، وذلك من أجل تربيتها وإكثارها في مزارع الأسماك الواقعة على نهر ميسيسيبي العظيم.

 

ولكن مع الوقت لم تمكث هذه السمكة في مكانها، حيث بدأ هذا العدو في غزو بيئاتٍ أخرى غريبة عليه، وبالتحديد في أعماق نهر ميسيسيبي، فبدأ بالعيش والتكاثر في هذه البيئة الجديدة والقضاء على الكائنات الفطرية الأصيلة فيها، ثم مع الزمن احتل مواقع أخرى في بيئات نهرية مجاورة حتى وصل هذا العدو إلى المركز الإقتصادي والغذائي لأمريكا وهو بيئة البحيرات العظمى، فأوقع خسائر عظيمة للثروة السمكية والتوازن البيئي في تلك البحيرات.

 

وبعد أن وصل العدو إلى رئة الاقتصاد الغذائي لأمريكا، عقد البيت الأبيض قمة خاصة في فبراير 2010 أُطلق عليها بقمة سمكة الكارب الآسيوي(Asian Carp Summit) من أجل مواجهة هذا العدو، حيث قررت إدارة أوباما صرف 80 مليون دولار، ثم وافق الكونجرس على تخصيص 300 مليون دولار لهذا الغرض، كما أعلنت وزارة الداخلية الحرب على هذا العدو واتخذت إجراءات حاسمة منها سحب الجنسية والإقامة الدائمة لهذه السمكة وتصنيفها كسمكة ” غازية“، بل وإن هذه السمكة أصبحت مطلوبة حية أو ميتة، ووُضِعت مبالغ مالية مجزية لمن يتمكن من أسرها واصطيادها، ونظمت الجهات المعنية سباقاً سنوياً وخصصت جوائز كبيرة لمن يصطاد أكبر عدد ممكن من هذه السمكة.

 

وعلاوة على كل هذه الإجراءات الدفاعية والهجومية التقليدية، اضطرتْ العقول المفكرة في أمريكا إلى إبداع طرقٍ حديثة لمكافحة هذا العدو غير التقليدي وإنتاج سلاحٍ يقاوم غزو العدو ويوقف إنتشاره وتوسعه في بحار أمريكا، ومنها فصل البيئات المائية بجدارٍ كهربائي يمنع إنتقال وحركة هذا العدو من احتلال مواقع جديدة، وبناء سدودٍ من أجل شل حركته، ومنها أيضاً ما نُشر في 29 يوليو من العام الجاري في مقالٍ في صحيفة النيويورك تايمس تحت عنوان: "أَحْدثُ سلاحٍ يستخدم في القتال ضد سمك الكارب الأسيوي"، ومقال آخر في صحيفة اللوس أنجلس تايمس في 31 يوليو بعنوان:"كيف نكافح سمك الكارب الآسيوي"، حيث اقترح علماء الأحياء اللجوء إلى سمكةٍ أخرى أكثر شراسة من هذا العدو، وأشد قوة وفتكاً منه، وبقدرته القضاء عليه، وهو سمك التمساح أو ما يطلق عليه بوحش النهر، الذي يتميز بقوة بُنيته، وكبر حجمه، وأسنانه الحادة كأسنان سمك القرش.

 

فهل تنجح قوة الولايات المتحدة الأمريكية العظيمة من كَسب هذه الجولة الجديدة من الحرب التي استمرتْ قرابة الخمسين عاماً؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق