الاثنين، 29 أغسطس 2016

الطحالب تُعلن حالة الطوارئ


لأول مرة تضْطر ولاية أمريكية إلى إعلان حالة الطوارئ مرتين في غضون سبعة أشهر، فقد أعلن حاكم ولاية فلوريدا رِيكْ سكُوتْ حالة الطوارئ الأولى في فبراير من العام الجاري ظناً منهم أن الكارثة التي حَلَّتْ بولايته ستزول قريباً، وأن الأزمة الخانقة ستنتهي، ولكن أُجبِر مرةً ثانية على إعلان حالة الطوارئ القصوى وطلب المساعدة في 29 يونيو من العام الجاري أيضاً.

.

فماذا حَدَثَ من أمرٍ جَلَل استدعى إعلان حالة الطوارئ والاستنجاد بالآخرين من خارج الولاية ومد يد العون للمساعدة، وماذا نزل على هذه الولاية الأمريكية الساحلية من مصيبةٍ عصيبةٍ كبرى لا تستطيع حلها بنفسها، فتضطر إلى إعلان حالة النَفِير العام؟

 

لقد نزل على سواحل وأنهار وبحيرات هذه الولاية الجميلة ما نتجاهلها جميعاً، ونغض الطرف عنها، ونعتبرها من القضايا الهامشية التي يمكن تأجيلها ووضعها في ذيل قائمة جدول أعمالنا، فقد أصابهم مرض العصر، ونزل عليهم الوباء القاتل الذي أكل الأخضر واليابس، وتضرر منه البشر، والشجر، والحجر، وتأثرت به كافة الكائنات الحية المائية من أسماك، وقواقع، وروبيان، ونباتات.

 

لقد تحولت الكثير من سواحل فلوريدا المشهورة والجذابة للسياح من كل أرجاء العالم، وبحيراتها الزكية الجميلة، وأنهارها الفاتنة التي تجري من تحتها، تحولت كلها إلى اللون الأخضر الفاقع العَفِنْ الذي يَنْفر من رؤيته الإنسان، وتشمئز نفسه عند النظر إليه، ويمتلأ قلبه حسرة وخوفاً، فتشبعت هذه المسطحات المائية بالسموم، وتركزت في بطنها الملوثات القاتلة والمهلكة للبشر، وغطت هذه البقع الخضراء الكثيفة والسميكة مساحاتٍ شاسعة من المسطحات المائية إلى درجةِ أنها شُوهدت بوضوح من أعالي السماء، وعلى بعد كيلومتراتٍ طويلة من فوق الأرض، وبوساطة الأقمار الصناعية، وبالتحديد القمر الصناعي لاند سات 8(Landsat 8).

ونتيجة لهذه المناظر المرعبة والمـُــنفرة، هرب الناس من هذه المناطق الساحلية البحرية والنهرية، وعزفوا عن ممارسة أي نشاطٍ ترفيهي ورياضي مائي، أو صيدٍ للأسماك، وابتعدوا عن الفنادق ومناطق السكن والمطاعم الموجودة على الساحل أو بالقرب منها، مما أدى إلى خسائر فادحة للقطاع السياحي في تلك المنطقة، وتدميرٍ اقتصادي شامل غطي قطاعات واسعة خدمية وسياحية وصناعية وسكنية.

فكل هذه التهديدات التي هزَّت فلوريدا من الناحية البيئية والصحية والاجتماعية والاقتصادية كان سببها بسيطاً جداً، وهو سماح الإنسان نفسه وبمحض إرادته للملوثات السامة من مياه مجاري وصرف زراعي وغيرهما للدخول في الأوساط المائية، ثم انتقالها من بيئةٍ إلى أخرى، حتى عَمَّ التلوث جميع هذه المسطحات المائية ووقعت الواقعة، ونزلت عليهم كالصاعقة، فحَلَّ الكَرب العظيم الذي شاهدناه بالولاية.

فاعتبروا يا أولي الألباب، واتعظوا بالتاريخ قبل أن يتعظ التاريخ بكم.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق