الاثنين، 10 أبريل 2017
القضاء والقدر من أسباب السرطان
منذ
عقودٍ طويلة والعلماء والأطباء يجتهدون ويعملون بكلِ ما أُتوا من قوةٍ عقلية
وفكرية، ووسائل علمية وتقنية، ويقضون الساعات الطوال ويسهرون الليالي في المختبرات
من أجل سبر غور لغز مرض السرطان الذي حيَّر الجميع، وجعلهم يقفون أمامه عاجزين
مكتوفي الأيدي عن علاجه، ومعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء سقوط الملايين من
البشر في شباكه.
ومنذ
سنوات وأنا شخصياً مهتم بهذا الوباء الصحي، وأطلع على معظم الأبحاث الموثوقة
والأصيلة التي تُنشر حول هذه القضية المعقدة والمتداخلة لأَزْدادَ من العلم حول
ملابسات وأسرار الإصابة بهذا المرض العضال.
ولفت
انتباهي اليوم بحث فريد من نوعه من ناحية شموليته من جهة، ومن ناحية الاستنتاجات
الغريبة والمخيفة في الوقت نفسه التي توصل إليها. فقد نَشَرتْ مجلة
"العِلم" في العدد الصادر في 24
مارس من العام الجاري دراسة
متكاملة حول الأسباب المحتملة للتعرض للسرطان، تحت عنوان: “السرطان والعامل الذي
لا يمكن تجنبه"، وهذه الدراسة غطت مَرضى مصابين بـ 17 نوعاً من أنواع السرطان ويعيشون في
69 دولة
مختلفة، بلغ عدد سكانهم الإجمالي 4.8
مليار نسمة.
فمن
المعروف تقليدياً عند الأطباء ومنذ سنوات بأن هناك عاملين رئيسين يؤديان مع الوقت
إلى الوقوع في هذا المرض المزمن. فالسبب الأول يُعزي الإصابة بالسرطان، أو ظهور
الخلايا السرطانية إلى العامل الوراثي (heredity)، أو العامل(H)، أي الجينات التي ورثناها من الآباء
والأجداد، وتم الآن التعرف على الجينات المتهمة بالسرطان. أما السبب الثاني فهو
العامل البيئي (environmental factors) أو العامل (E) والمرتبط بالتعرض للسموم والملوثات، وأسلوب
حياة الإنسان وممارساته اليومية.
واليوم
وبالتحديد في هذه الدراسة، يكتشف العلماء سبباً آخر للوقوع في شباك مرض السرطان
وهو متعلق بكيفية استنساخ الخلايا، أو استنساخ الـ دي إن أيه في جسم الإنسان، حيث
أكدت الدراسة بأن الجزء الأكبر من التغيرات التي تطرأ على الخلايا والتي تُكَون
الخلايا السرطانية يكون بسبب العامل الثالث المتعلق باستنساخ وانقسام الخلايا
بطريقة غير مُنتظمة وبصورة عشوائية، أي حدوث طفرات وتغييرات في التركيب الجيني
للخلايا لا تفسير علمي لها، أو أخطاء تقع عند انقسام الخلايا لا يَعرف تفسيرها
أحد، فتتحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية، وأُطلِقَ على هذا السبب الثالث
بأخطاء الاستنساخ (replication errors)، أو العامل (R)، وأنا أُطْلِقْ عليه بعامل "القضاء
والقدر".
كما
قامت هذه الدراسة بتقديم تحليلٍ كمي لنسبة مساهمة كل عامل من العوامل الثلاثة في
التعرض للسرطان بأنواعه المختلفة، حيث أفادت بأن 95% من
حالات الإصابة بسرطان البروستات، والمخ، والعظام ترجع لأخطاء تنتج عند انقسام
الخلايا أو استنساخ الـ دي إن أيه أو العامل (R)، أو عامل الصدفة والقضاء والقدر، و 77% من
تعرض الإنسان لسرطان البنكرياس مرتبط بهذا السبب، ولكن 35% فقط من سرطان الرئة له علاقة بالصدفة والقضاء والقدر والخطأ
في انقسام الخلايا، حيث إن الإصابة بسرطان له علاقة قوية بالتعرض للملوثات البيئية
من مصادرها الكثيرة كالتدخين وعوادم السيارات وغيرهما. وعلاوة على هذه
الاستنتاجات، فقد أكدت الدراسة على أن نحو 66% من
إجمالي السقوط في هذا المرض العضال ينجم عن الصدفة والقضاء والقدر الذي لا دور
للإنسان في الوقوع فيه، في حين أن 29%
ينتج لأسباب بيئية وأسلوب حياة
الإنسان وممارساته اليومية وعاداته، و 5%
فقط يعزى للجينات غير السليمة التي
تنتقل إلينا من الآباء.
بالرغم من هذه النتيجة العصيبة
التي تُصعق الإنسان وتجعله في حيرةٍ شديدة من أمره، فإن الدراسة أكدت على أهمية
الكشف المبكر وضرورة الأخذ بالأسباب، وتجنب العوامل الأخرى للتعرض لهذا المرض
العضال، والابتعاد عن أي سبب قد يزيد من مخاطر هذا المرض. فهناك أسباب أجمع
العلماء على أنها تؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بالسرطان، منها التدخين بمسمياته
المتعددة والمختلفة، كتدخين سجائر التبغ التقليدية والشيشة والسجائر الإلكترونية،
ومنها حرق البخور والعود واستنشاق الأبخرة التي تتصاعد منه، ومنها عوادم السيارات
ومحطات توليد الكهرباء، ومنها أيضاً شرب الخمر وعادات الإنسان الغذائية وممارساته
اليومية. وفي المقابل هناك ملوثات كثيرة أثبت العلم أنها تسبب السرطان أو تزيد من
احتمال السقوط في هذا المرض الخبيث كالبنزين، والكروميوم، والبنزوبيرين، والأشعة
المؤينة، والأشعة التي تنتج عن الهواتف النقالة، وتلوث الهواء بشكلٍ عام.
وخلاصة القول، ومن أجل درءِ مفسدة
السقوط في مرض السرطان، علينا إتباع المنهج الإسلامي في الحياة والتوجيهات النبوية
التي تقول: "اعلقها وتوكل"، فخذ بالأسباب جميعها، وتوكل على الله، وارض
بقضاء الله وقدره.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق