الأحد، 23 أبريل 2017

ماذا يحدث عندما يذوب الثلج؟


سؤال يبدو بسيطاً وبديهياً جداً أطرحه عليكم هو: ماذا يحدث عندما يذوب الثلج؟

 

لا شك بأن كُلكم سيجيب على هذا السؤال ويقول بأن الثلج الذي ينزل من السماء برداً وسلاماً، وعذباً نقياً سائغاً شرابه، سيتحول مع الوقت إلى ماءٍ فرات زُلال يروي الأرض ويسقي الحرث والنسل ويملأ الأنهار والبحيرات والوديان. وهذا هو عين الصواب والحق، ولكن ليست الحقيقة كلها، فهناك أسرار خفية اكتشفها العلماء الآن حول سؤالي هذا، وتعمقوا في مدلولاتها، وعلى الجميع الاطلاع عليها ومعرفتها والتنبه إلى خطورتها على الإنسان وبيئته والحياة الفطرية التي تعيش معه.

 

فدورة الحياة الطبيعية التي نراها منذ آلاف السنين هي تحَوُل الثلوج التي تسقط على الأرض عند ارتفاع درجة حرارة الجو من الحالة الصلبة وهي الثلج إلى الحالة السائلة وهي الماء الصافي النقي الخالي من الملوثات والشوائب، وهذه العملية يُطلق عليها بالذوبان.

 

ولكن في عصرنا الآن وفي زمننا هذا، فكل الأمور اختلفت وتغيرت، والظاهرة الطبيعية لم تعد كذلك طبيعية وفطرية كلياً، فأيدي الإنسان تدخلت فيها بدون علمٍ أو خبرة، فعبثت في جوهرها، وأفسدت دورتها، وأدخلت عليها خليطاً معقداً من سموم وملوثات تنْميتنا التي ملأت الأرض، والسماء، وأعماق البحار.

 

فهذا الثلج الذي يسقط علينا ويتراكم مع الوقت في الشوارع والطرقات وعلى أسطح المنازل، يمتص يوماً بعد يوم كل الملوثات التي تنبعث من عشرات الآلاف من عوادم السيارات التي تسير في شوارعنا ليلاً ونهاراً طوال اليوم، فيبدأ تركيز هذه السموم بالارتفاع كل دقيقة، فتتراكم في جسم هذه الثلوج وتنحبس بداخلها فترة من الزمن في أشهر الشتاء القارسة وتبقى تحملها في بطنها كالجنين في رَحِم المرأة حتى تأتي بشائر الربيع الجميل بهوائه المنعش العليل، وترتفع درجة حرارة الجو قليلاً، فتأخذ الثلوج طريقها إلى الذوبان رويداً رويداً، وعندها يُطْلِق الثلج الجنين الذي مكث في بطنه طوال الأشهر الطويلة، وتبدأ الملوثات في الخروج من بَياتها الشتوي وسجنها المتين والانطلاق إلى الحياة الدنيا والأوساط البيئية المختلفة كالشوارع، والأنهار، والبحار، والبحيرات، ثم مع الوقت تتحول إلى الحالة الغازية وتنبعث إلى الهواء الجوي.

 

وقد أكد علماء من جامعة مَاكْ جِيْلْ الكندية في مونتريال على هذه الدورة للملوثات وواقعيتها في بيئتنا، وكشفوا النقاب عن حركة الملوثات التي تنبعث من سياراتنا ومصيرها عندما تدخل في الهواء الجوي، أو تترسب على الأرض، حيث نشروا نتائج مشاهداتهم وأبحاثهم المخبرية في مجلة "تلوث البيئة" في العدد الصادر في 11 أبريل من العام الجاري تحت عنوان: "دور الثلوج في مصير الملوثات المنبعثة من عوادم السيارات".

 

ومن أخطر الملوثات التي تمت مراقبتها، ومتابعة مسيرتها، والتعرف على تحركاتها ومصيرها في نهاية الأمر هي مركبات تُعرف بأنها تسبب السرطان للإنسان، مثل البنزين، والمركبات الهيدروكربونية العطرية متعددة الحلقات (polycyclic aromatic hydrocarbons)، إضافة إلى الغبار أو الجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر، حيث أكدت الدراسة امتصاص الثلج لهذه المواد المسرطنة التي تنطلق من سياراتنا، ثم تراكمها في الثلج، وأخيراً خروجها وتحررها من البيئة الثلجية وتعرض الإنسان والحياة الفطرية لشرورها وأمراضها.

 

فهذا الاكتشاف الجديد لمصير ملوثات عوادم السيارات عند دخولها إلى الهواء الجوي يفتح الباب على مصراعيه أمام قضية تلوث الهواء الجوي بشكلٍ عام، وتهديدها المباشر والمستدام للأمن الصحي للإنسان وبيئته.

 

فهناك حقائق حول تلوث الهواء يجب على الجميع معرفتها، وأقدمها لكم في النقاط التالية:

أولاً: أكدت منظمة الصحة العالمية في 17 أكتوبر من عام 2013 على أن الهواء الجوي العادي الذي نستنشقه يومياً يقع ضمن "المواد المسرطنة للإنسان"، ولذلك يُطلق على تلوث الهواء بالقاتل الصامت.

 

ثانياً: يُعد تلوث الهواء من أهم أسباب الموت على المستوى الدولي، وهناك إجماع لدى العلماء المختصين بأن تلوث الهواء يسبب الكثير من الأمراض، منها السرطان بأنواعه المتعددة، والسكتة القلبية والدماغية، وأمراض القلب والجهاز التنفسي، وداء السكري، والزهايمر، وكل هذه الأمراض تعتبر من العوامل التي تؤدي إلى موت الإنسان. ولذلك فإن منظمة الصحة العالمية تُقدر بشكلٍ دوري عدد الذين يقضون نحبهم مبكراً بسبب تلوث الهواء، ففي عام 1990 كان العدد 3.5 مليون، وارتفع في2015 إلى 4.2 مليون، ووصل الآن إلى مستويات مرعبة تقشعر لها الأبدان، حيث قُدر العدد الآن إلى نحو6.5 مليون إنسان.

 

ثالثاً: تلوث الهواء له علاقة بخفض وزن الجنين، أو الإصابة بتشوهات خَلْقية وعقلية، أو الولادة المبكرة قبيل الموعد الطبيعي، حيث أفاد تقرير منظمة الصحة العالمية في 16 فبراير من العام الجاري أن 3.4 مليون ولادة مبكرة حول العالم مرتبطة بتلوث الهواء، وهذه تمثل 18% من الولادات المبكرة. ودعماً لنتائج هذا التقرير المخيف، فقد نَشرتْ منظمة الأمم المتحدة للطفولة تقريراً في 30 أكتوبر 2016 أفادت فيه أن نحو 300 مليون طفل يعيشون في بيئاتٍ هواؤها ملوث، وهذا الهواء الملوث يُسهم بشكلٍ رئيس في القضاء على أكثر من 600 ألف طفل سنوياً تقل أعمارهم عن خمس سنوات.

 

ولذلك صَدَقَ من أَطلق على تلوث الهواء بالقاتل الصامت!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق