الجمعة، 14 أبريل 2017

ورَجَعَ عصر الفَحْم من جديد



كُنت أظن بأن عصر استخدام الفحم كوقود لتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع قد ولى ولن يعود مرة ثانية، وخاصة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق أوباما في عام 2015 برنامجه الخاص بسياسة واستراتيجية أمن الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أَطلق عليه ببرنامج "خطة الطاقة النظيفة"(Clean Power Plan).

فاستراتيجية أوباما كانت تهدف إلى ضرب عصفورين بحجرٍ واحد من خلال تحقيق عدة قضايا متعلقة بأمن الطاقة بالولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وبالبعد البيئي من جهةٍ ثانية من ناحية خفض انبعاث الملوثات التي تُحدث التغير المناخي الذي نشهده الآن وتؤدي إلى سخونة ورفع درجة حرارة كوكبنا، ولذلك فإن خطة أوباما للطاقة النظيفة كانت تُركز على ثلاثة محاور رئيسة. الأول رفع فاعلية وكفاءة استخدام الوقود بشكلٍ عام، سواء في محطات توليد الكهرباء، أو المصانع، أو وسائل النقل والمواصلات. والثاني هو الخفض التدريجي مع الزمن لاستخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، وبخاصة الفحم والبترول، والتوجه كبديل عنه إلى أنواع ومصادر الوقود النظيفة كالغاز الطبيعي من جهة، ومصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، والرياح، والوقود الحيوي وغيرها من المصادر التي لا تنبعث عنها ملوثات تهدد الأمن الصحي والبيئي على حدٍ سواء.

وتطبيق هذه الخطة يمكِنْ الولايات المتحدة الأمريكية من تنفيذ تعهداتها والتزاماتها البيئية التي وقعَتْ عليها حسب معاهدة باريس لعام 2015، حيث أكدت على خفض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة تتراوح بين 26 إلى 28% بحلول عام 2025 مقارنة بمستويات عام 2005، إضافة إلى خفض انبعاث غاز الميثان من آبار الغاز والنفط بنسبة 40% دون مستويات عام 2012 بحلول عام 2025.

والآن، وبالتحديد في 28 مارس من العام الجاري دخلت الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة جديدة من السياسات الحكومية في مجالي الطاقة والبيئة، وبخاصة بالنسبة لقضية التغير المناخي عندما وقَّع الرئيس ترمب على الأمر التنفيذي تحت عنوان: "استقلال الطاقة"(Energy Independence) في المكتب الرئيس لوكالة حماية البيئة الأمريكية، وصرح قُبيل التوقيع قائلاً: "إدارتي ستَضع نهايةً للحرب على الفحم".

وبهذا الأمر التنفيذي، ألغى ترمب برنامج أوباما للطاقة النظيفة، وأعلن إحياء وقود الفحم من جديد، سواء من ناحية عملية الاستخراج من باطن الأرض، أو استخدام الفحم والبترول وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى في توليد الكهرباء وفي العمليات الصناعية.

هذه السياسة فرح بها البعض، وصفَّق مهللاً بإعلانها سواء على مستوى أمريكا، أو خارج أمريكا، وفي المقابل هناك من أبدى معارضته لها وانتقدها بشدة. أما المـُكَبرين والراضين عن هذه السياسة الجديدة، فهم أرباب صناعة الفحم والبترول، سواء الأفراد والشركات العاملة في مجال التنجيم والاستخراج والتكرير، أو الشركات التي تولد الكهرباء وتشغل المصانع بالفحم أو مشتقات البترول. وعلاوة على هذه الفئات المستفيدة من إعادة الرُوح من جديد للفحم والنفط وإنعاش السوق النفطية، فإن دُولنا أيضاً ستربح من هذه السياسة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وبخاصة أنها مازالت تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل القومي.

وفي المقابل فإن هناك الذين انتقدوا هذه الاستراتيجية، سواء من داخل الكونجرس الأمريكي من الديمقراطيين وممن دعموا خطة أوباما للطاقة النظيفة من الأفراد والشركات، أو من حماة البيئة والمدافعين عن قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، أو من خارج حدود أمريكا. فالاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، هاجم وانتقد سياسة الحكومة الأمريكية، حيث صرح المسئول في الاتحاد الأوروبي عن ملف التغير المناخي قائلاً: "نحن ناسف بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتراجع عن ركنٍ أساسي من سياستها حول التغير المناخي، وهو خطة الطاقة النظيفة، والآن سَنَرى كيف تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية الوفاء بتعهداتها بتطبيق معاهدة باريس للتغير المناخي"، وأضاف متحدياً: "نحن سنَقِفُ مع باريس، وسندافع عن باريس، وسنعمل على تنفيذ باريس".

فهذا الأمر التنفيذي لترب يُولد القلق العميق والخوف الشديد مرةً ثانية لدى الحكومات والشعوب حول مصير معاهدة التغير المناخي، وبالتحديد معاهدة باريس، والتي سهر العالم كله على إنجازها وتحقيقها، وعانى أكثر من 25 عاماً من خلال مفاوضاتٍ شاقة ومرهقة ومكلفة للوقت والمال والنفس حتى تم الوصول إليها.
        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق