السبت، 6 مايو 2017

تحذير أُمَمي جديد من التدخين


منذ أكثر من 80 عاماً وعلماء الطب والبيئة والاجتماع يجرون أبحاثاً معمقة ومستفيضة عن الآثار المدمرة لتدخين السجائر من الناحية الصحية، والبيئية، والاجتماعية، والاقتصادية على المجتمعات البشرية، ومنذ أكثر من 80 عاماً والعلماء يكتشفون في كل يوم تهديداً جديداً للتدخين، وبُعداً مميتاً لم يكن في الحسبان ولم يخطر قط على بالهم، فالعلماء لا يصيبهم الملل أو الكلل، ولا ينتابهم اليأس والقنوط، ولا يعتريهم الفُتُورْ في بيان جميع الحقائق وكشف كافة المعلومات التي تحوم حول هذه الآفة المدمرة للبشرية جمعاء، وفضح شركات القتل العَمْد التي تُصر وتتفنن في بيع هذه المنتجات تحت أسماء مختلفة على الأطفال والشباب دون أن يرقُبوا في أحدٍ إلاً ولا ذمة.

 

فها هي اليوم، وبالتحديد في الخامس من أبريل من العام الجاري، تَنْشر المجلة الطبية المعروفة والعريقة "اللانْسِت" بحثاً تفصيلياً شاملاً يغطي 195 دولة من دول العالم حول انتشار تدخين السجائر والأوبئة المترتبة عليه في الفترة من 1990 إلى 2015.

 

فقد توصلت هذه الدراسة التحليلية الدولية إلى أرقامٍ مرعبة ومقلقة للغاية لكل باحث عن الحقيقة، ومن المفروض أن هذه الحقائق التي خَلُصت إليها الدراسة أن تحرك ضمير كل إنسان، سواء من شركات التبغ القاتلة عمداً للناس، أو من رجال النفوذ والسياسة ومتخذي القرار في دول العالم الذين يسمحون ببيع ونشر هذه المنتجات التي تأكل شبابنا في دولنا.

 

ومن هذه الاستنتاجات، وفي عام 2015 فقط، عدد الموتى من التدخين بلغ 6.4 مليون إنسان، أي أن 11.5% من الناس الذين ماتوا كان بسبب التدخين، كما أن الدراسة أكدت أن التدخين يقع في المرتبة الثانية من ناحية خطورته على البشرية والتسبب في الموت المبكر للإنسان والإصابة بالإعاقات، بعد ارتفاع ضغط الدم الذي يعد الخطر الأول على الإنسان.

 

وبالرغم من هذه الاستنتاجات التي تؤكد تهديد التدخين للصحة العامة، إلا أن الجهود الدولية أو القِطرية لا ترقى إلى مستوى ودرجة خطورة التدخين، فأقصى ما توصلت إليها أُمَمْ الأرض تحت مظلة منظمة الصحة العالمية هي الاتفاقية الإطارية حول التحكم في التبغ لعام 2005 والتي صادقت عليها 180 دولة، ولكنها غير صارمة وغير ملزمة للجميع، حيث تقوم كل دولة باتخاذ ما يناسبها من إجراءات وأنظمة حسب ظروفها وسياساتها الداخلية.

 

ولذلك فإنني لا أَتَفهم الأسباب وراء هذا التساهل الدولي أو المحلي، والتعامل اللطيف مع التدخين، فإنني لا أجد أي سبب يقف وراء هذه السياسة اللينة وغير المستدامة. فمن جميع النواحي يفرض التدخين نفسه بأنه ضار وغير مجدي كلياً.

 

فمن الناحية الصحية، فلم أجد إجماعاً دولياً من ناحية الضرر الصحي لأي منتجٍ صنعه الإنسان كما أجد في السجائر، وهذا الاجماع ليس وليد الساعة وإنما منذ أكثر من ستين عاماً، وبالتحديد عندما أعلن المسؤول الأول عن الصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية في 12 يوليو عام 1957 بأن تدخين سجائر التبغ يؤدي إلى السقوط في المرض العضال المستعصي عن العلاج وهو سرطان الرئة، واليوم يعيد التاريخ نفسه، وبالتحديد في الثامن من ديسمبر عام 2016، حيث أعلن المسئول الأول حالياً عن الصحة العامة، وبعباراتٍ شديدة وصارمة لا ريب فيها عن مخاطر نوعٍ آخر من السجائر، وعن بدعةٍ جديدة ظهرت مؤخراً في الأسواق وتُعرف بالسجائر الإلكترونية.

 

أما من الناحية الاقتصادية، وهي التي يعتمد عليها معظم رجال السياسة والنفوذ عند اتخاذ القرار، فإنه غير مجدي أيضاً، فكلفة الأمراض والموت المبكر الذي ينجم عن التدخين أعلى بكثير من الضرائب التي يفرضونها على السجائر، فقد أكدت الدراسة المنشورة من منظمة الصحة العالمية والمعهد الأمريكي في العاشر من يناير 2016، بأن التدخين يكلف الاقتصاد الدولي أكثر من "تريليون دولار" سنوياً، في حين أن الدخل الضريبي الذي تحصل عليه الدول من السجائر يُقدر بنحو 269 بليون دولار سنوياً، أي أن الخسائر الاقتصادية والمردودات المالية لبيع السجائر تتعدى كثيراً وتفوق بدرجة ملحوظة الأرباح المالية التي تجنيها الدول عن طريق ضرائب التبغ.

 

ومن الناحية الدينية، فبعد الإجماع الدولي على أن التدخين مُهلك للنفس والجسد، ومفسد للعقل، ومضيعة للمال، ليس على المدخن نفسه فحسب وإنما على الآخرين على حدٍ سواء، فإن معظم المتخصصين في الشريعة الإسلامية أفتوا بحرمة التدخين.

 

ولذلك فإنني في حِيرةٍ من أمري، فلم أجدُ أي مبرر موضوعي، أو حُجة منطقية، أو سبب وجيه لدولنا ودول العالم أَجمع أُقنع به نفسي للسماح بالتدخين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق