السبت، 10 يونيو 2017

مخلفات الدمار الشامل كَادتْ أن تنفجر


التحدي الكبير بالنسبة لي ليس في صناعة قنبلة ذرية أو نووية، وما يُطلق عليها بسلاح الدمار الشامل، فتقنيات صناعتها موجودة، ويمكن الحصول عليها بطريقة أو بأخرى إذا توافر المال، بالرغم من صعوبتها والسرية التامة التي تحيط بها وتحوم حولها، ولكن التحدي الأعظم في تقديري هو كيفية التخلص الآمن والسليم والمستدام للمخلفات الناجمة عن إنتاج هذه القنابل، أو حتى عند توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة النووية.

 

فدول العالم جميعها، بالرغم من تطورها وتقدمها ورقيها العلمي والتقني، إلا أنها تقف مكتوفة اليدين عاجزة عن التعامل معها، ويقف علماؤها في مجال الطاقة الذرية منذ أكثر من 80 عاماً حائرين لا يعرفون سبل التخلص منها وإدارتها بطريقة بيئية وصحية سليمتين.

 

ولذلك فسياسة كل دول العالم في التعامل مع هذه المخلفات الشديدة الإشعاع التي تعتبر قنابل دمار شامل مَوقوتة، هي إبعادها عن أنظار عامة الناس وكأنها غير موجودة، ولذلك فهي عادة ما تخزن في مناطق نائية في مواقع بعيدة عن أعين البشر، أو أنها تخزن في الأعماق السحيقة تحت الأرض.

 

وكل هذه المواقع التي تدفن فيها هذه المخلفات تُعد من أخطر المناطق على سطح الأرض، وتعتبر من أهم المخاطر التي تهدد العالم أجمع من بشرٍ، وطيرٍ، وحجر، وتؤثر على استدامة حياتنا على هذا الكوكب، فأي تسربٍ إشعاعي من هذه المخلفات، أو انفجارٍ نووي داخل خزانات المخلفات لأي سببٍ من الأسباب، يُعرض الملايين للأمراض المستعصية المزمنة، أو الموت المباشر السريع.

 

وبين الحين والآخر تقع حوادث في مواقع هذه المخلفات تُنذر بحتمية حدوث كارثةٍ بشرية، وتحذر من وقوع الكَربْ العظيم الذي يقضي علينا وعلى الأرض برمتها، فتذكرنا بضرورة التنبه إلى مخلفات الدمار الشامل هذه وإيجاد الحلول الدائمة لها، وآخر هذه الحوادث ما وقع في التاسع من مايو من العام الجاري في أخطر وأكبر موقعٍ للمخلفات المشعة على وجه الأرض.   

 

فقد صاحت أجراس الإنذار في مركز عمليات الطوارئ في موقع هانفورد النووي(Hanford Nuclear Reservation) بالقرب من مدينة سياتل بولاية واشنطن الأمريكية في الساعة الثامنة وعشرين دقيقة صباحاً، واشتعلت أضواء المصابيح مُنذرة بوجود خطأ وخللٍ ما في إحدى المحطات في الموقع، ومحذرة بوجود حالةٍ طارئة بحاجة إلى استنفارٍ عام، ولذلك أُعلنت حالة الطوارئ في الموقع على الفور،وتم إخلاء آلاف العمال من الأنفاق التي تخزن فيها المخلفات منذ الحرب العالمية الثانية، أي منذ أكثر من ستين عاماً، وتوجهوا جميعاً نحو الملاجئ المخصصة لحالات التسرب الإشعاعي. كما تم في الوقت نفسه إرسال فريقٍ متخصص في الحالات الطارئة، حيث هرعوا إلى موقع الخلل وهم يرتدون الملابس الواقية البيضاء والتي تغطي كامل الجسم من أصغر عضوٍ في الجسم إلى أكبر عضو، من أخمص القدمين إلى أعلى الرأس، وكأنهم رواد الفضاء. وعند وصولهم وجدوا حفرة واسعة تبلغ مساحتها نحو 400 قدم مربع فوق رؤوسهم في نفقٍ طوله قرابة 110 أمتار يستخدم لتخزين المخلفات المشعة الخطرة والكيماوية السامة،حيث خَرَّ عليهم السقف فانهار من فوقهم، وأتاهم الدمار من حيث لا يحتسبون، فهذه الأنفاق متهالكة وقديمة عُمرها أكثر من 60 عاماً.

 

والجدير بالذكر أن هذه الحالة التي وقعت في هذا الموقع الكارثي لم تكن الأولى، فقد تسربت عدة مرات المواد المشعة من الصهاريج البالية العتيقة التي تحمل في بطنها قنابل الدمار الشامل، كما أن هذا الموقع لتخزين قنابل المخلفات المشعة ليس الوحيد من نوعه، فهناك16 موقعاً منتشرين في عدة ولايات من أشهرها موقع سافانا ريفر(Savannah River Site) في ولاية جنوب كارولاينا، والذي افتُتح في مطلع الستينيات لإنتاج البلوتونيوم، وهناك في هذا الموقع الآن نحو 40 مليون جالون من المخلفات السائلة المشعة المخزنة في صهاريج قديمة بالية أصابها الهَرَم ودَبَّ في قلبها سوس التآكل والتحلل.

 

وهذا الوضع المأساوي المهَدد لحياة الأمريكيين والكرة الأرضية برمتها لا يخفى على المسئولين في أمريكا، فالكلفة التشغيلية السنوية لموقع هانفورد فقط تبلغ 6 بلايين دولار، وصَرَفتْ حتى يومنا هذا أكثر من 19 بليون دولار، والكلفة النهائية لإدارة الموقع تصل إلى أكثر من مائة بليون دولار ويستغرق العمل فيه حتى عام 2060، وبالرغم من صرف هذه الأموال الباهظة إلا أن حُلم التعامل المستدام الآمن مع هذه المخلفات المشعة سيكون كابوساً ثقيلاً مرعباً سيُلاحق الشعب الأمريكي جيلاً بعد جيل وسيُنغص عليه حياته، ويُعكر صفاء عيشه.

 

فنصيحتي إلى كل دولة تريد أن تلج في هذا المجال النووي أن تفكر ملياً وقبل أن تتخذ الخطوة الأولى في كيفية التعامل مع مخلفات الدمار الشامل التي ستنتج حتماً عن كل نشاطٍ نووي عسكري أو مدني قبل أن تواجه مصير أمريكا والدول النووية الأخرى، فتقعُد مَلُوماً محسُورا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق