الخميس، 22 يونيو 2017

تداعيات انسحاب أمريكا من اتفاقية التغير المناخي على البحرين



المشكلات البيئية التي نواجهها اليوم تختلف في حِدتها ودرجة تأثيرها على الإنسان والكائنات الحية التي تعيش معه، وتتفاوت في حجم أضرارها والمساحة الجغرافية التي تنزل عليها وتضرب فيها، كما إنها تختلف في أسلوب إداراتنا لها وطرق معالجتها حسب بعدها الجغرافي والسياسي.

واليوم أريد أن أقف معكم وأُركز على نوعٍ واحدٍ فقط من هذه القضايا البيئية، وبالتحديد المشكلات التي لها بعد عالمي وتؤثر سلباً على الكرة الأرضية برمتها، ومردوداتها العقيمة تضرب كل كائنٍ حي يعيش على كوكبنا أينما كان، وفي أية بقعةٍ يعيش فيها، حتى ولو كانت بعيدة ونائية، في أعالي الجبال الشاهقة، أو في أعماق البحار السحيقة والمظلمة، أو في الصحاري الجافة القاسية، أو في الأدغال الكثيفة والمخيفة، أو في الثلوج القارسة والشديدة البرودة. فهذا النوع من المشكلات البيئية لا يفرق بين البشر، ولا يميز بين أحد، سواء أكان عالماً متبحراً في المعرفة، أو جاهلاً مدقعاً في الجهل، غنياً فاحشاً في الغنى كان أم فقيراً معدماً.

ولذلك فالمدخل للعلاج المستدام لمثل هذه المشكلات هو وقوف كل دول العالم التي تساهم في تكوينها سواء بدرجةٍ بسيطة أو كبيرة جنباً إلى جنب وبشكلٍ جماعي مشترك من خلال التفاوض حول معاهدة دولية شاملة تلزم كل دولة على القيام بواجبها ودورها في التخلص من أسباب نشؤ هذه المشكلة، بحيث تقوم كل دولة في القيام بمسؤولياتها حسب مساهمتها في وقوع المشكلة، وتُعاقب إذا لم تقم بدورها. 

وسأقدم لكم مثالين عاصرتهما شخصياً، وتابعت تفاصيلهما وجميع الأمور المتعلقة بهما. أما المثال الأول فهم مختص بمشكلة انخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون الموجودة نحو 20 كيلومتراً فوق سطح الأرض. فالإنسان، وبخاصة في الدول الصناعية المتقدمة نتيجة لجهله بالملوثات وقلة علمه بمصيرها عندما تنبعث إلى البيئة، أَطلق أحجاماً كبيرة من غازات يُطلقُ عليها بالفريون أو مركبات الكلوروفلورو كربون، حيث إن هذه الملوثات عندما تلج إلى الهواء الجوي تتحرك مع الوقت وتنتقل إلى أعالي السماء حتى تصل إلى طبقة الأوزون التي تعمل كمظلة واقية تحمي كل كائن حي من شرور الأشعة البنفسجية التي تأتي من الشمس ومن مصادر أخرى، فهناك تُحَلل هذه الملوثات غاز الأوزون فتسمح بكمياتٍ كبيرة من الأشعة القاتلة للوصول إلى سطح الأرض. فهذه الظاهرة المهددة لكوكبنا ولكل كائن حي أينما يعيش، استدعت أن تُشمر دول العالم قاطبة وتعلن حالة الطوارئ القصوى وتعمل بجهدٍ جماعي مشترك على حظر استعمال هذه الملوثات المدمرة لطبقة الأوزون، حيث تمخض عن هذا العمل المشترك أول اتفاقية دولية تاريخية ملزمة في مدينة مونتريال الكندية في 16 سبتمبر 1987.

أما المثال الثاني فهو أكثر تعقيداً وأشد بأساً وتنكيلاً بالكرة الأرضية ومن عليها، وأُطلقُ عليه بقضية القرن البيئية، وهي التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض. فهذه القضية أيضاً دولية وتؤثر على الأرض برمتها، وسببها هو انبعاث الغازات التي تحبس الحرارة فوق سطح الأرض وتؤدي إلى سخونتها ووقوع ظواهر مناخية كارثية ومدمرة، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث من أية عملية احتراق للوقود الأحفوري في محطات الكهرباء، والمصانع، والسيارات، والطائرات. وتُعد الدول الصناعية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية المتهم الرئيس في إطلاق الغازات التي ترفع درجة حرارة الأرض، ولكنها في الوقت نفسه هي من تتهرب عن مسؤولياتها تجاه كوكبنا وعن تدميرها للأرض لعقودٍ طويلة من الزمن، فكلما وصلتْ دول العالم إلى اتفاقية لخفض انبعاث الملوثات، قامت الولايات المتحدة بالانسحاب منها وهجرها كلياً وعدم الالتزام بواجباتها الأخلاقية، كما حدث بالفعل في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن عندما أعطى صفعة للمجتمع الدولي بعدم المصادقة على بروتوكول كيوتو للتغير المناخي لعام 1996، واليوم وبالتحديد في الأول من يونيو من العام الجاري خيَّب ترمب آمال الدول والشعوب بإعلانه الانسحاب من اتفاقية باريس للتغير المناخي.

فهذا الانسحاب يعني أن الولايات المتحدة وهي اليوم ثاني أكبر دولة مسئولة عن حدوث التغير المناخي للكرة الأرضية لن تتعهد بخفض انبعاثاتها من الملوثات التي ترفع درجة حرارة الأرض، مما يؤدي إلى وقوع كوارث مناخية في بعض دول العالم التي ليس لها دور يذكر في وقوع هذه المشكلة العصيبة من جهة، وشديدة التأثر بأي تغيرٍ مناخي أو ارتفاعٍ في حرارة الأرض وغير قادرة على التكيف مع هذه التغييرات المفاجئة من جهة ثانية، وبخاصة الدول الساحلية، أو دول الجزر الصغيرة منخفضة السطح وغير المرتفعة عن سطح البحر، مثل البحرين.   

فنتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض، ترتفع معها حرارة مياه البحر فتتمدد ويرتفع مستوى سطح البحر، ويؤدي إلى غرق المناطق الساحلية المنخفضة كلها، فيقضي عليها كلياً ويزيلها من وجه الأرض، وكأنها لم تك شيئاً. وعلاوة على هذا التدمير الشامل الذي ينجم عن التغير المناخي، فإننا في البحرين في غِنى عن أي ارتفاعٍ للحرارة، ولو بنصف درجة، فحرارتنا تبلغ أكثر من 43 درجة مئوية في الصيف.

ولذلك من الواضح أن بعض القرارات البيئية التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة تلك المتعلقة بتلوث الهواء الجوي لها انعكاسات خطيرة ليست على مستوى أمريكا فحسب، وإنما على الكرة الأرضية قاطبة فتتأثر بها دول بعيدة لا دور لها في إنتاج أو انبعاث هذه الملوثات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق