الأربعاء، 14 يونيو 2017

الغرب يستورد النفايات!


استغربَ الجميع من الخبر المنشور مؤخراً في معظم الصحف الغربية والشرقية حول رغبة سويسرا والسويد وبعض الدول الغربية الأخرى في استيراد المخلفات، أو القمامة المنزلية وغيرها من المخلفات غير الخطرة إلى بلادهم.

 

فكيف لهذه الدول الصناعية الغنية المتقدمة والمتطورة المعروفة بنظافتها وحمايتها لبيئتها ورعايتها لكافة مكونات وعناصر البيئة الحية وغير الحية أن تقوم بشكلٍ علني رسمي على استيراد النفايات من الدول الأخرى؟

 

والجواب على هذا السؤال الغريب هو أن هذه الدول المتقدمة، ودول كثيرة أخرى في العالم لا تعتبر "النفايات" أو "المخلفات" أو "القمامة" مواد يجب التخلص منها مباشرة عن طريقها دفنها في مقابر جماعية خاصة بهذه المواد، وإنما تقوم بتصنيفها كثروة وطنية، ومواد خام تقوم باستثمارها والاستفادة منها، وتُشيد عليها العديد من الصناعات المختلفة، وتوظف عشرات الآلاف من البشر لتشغيل هذه المصانع، فتحل مشكلة البطالة، وتعجل في نهاية المطاف من مسيرة التنمية في البلاد وتنعش الاقتصاد الوطني وترفع من مستوى دخل الأفراد. وعلاوة على ذلك كله فإن المخلفات تدخل ضمن استراتيجية هذه الدول في تحقيق "أمن الطاقة"، وخفض الاعتماد على الوقود اللأحفوري وعلى الدول الأجنبية في الحصول على مصادر للطاقة، فالمخلفات تُعد بشكلٍ عام من مصادر الطاقة المتجددة التي تحقق التنمية المستدامة في الدول.

 

فهناك تعريف عام للمخلفات يخفى على الكثير من الناس، وهو أن المخلفات مواد لا يعرف الإنسان طرق الاستفادة منها لعدم توصل علمه وخبرته لتقنيات مجدية في هذا المجال، وفي حالة توصل الإنسان لأساليب وتقنيات مجدية فإن هذه المخلفات تتحول إلى "مواد أولية خام" تدخل في دورة العملية الصناعية.

 

فلو أخذنا "القمامة المنزلية" كمثال على المخلفات التي تنتج عن أنشطة الإنسان، لوجدنا أن الإنسان نفسه ابتكر طرقاً إبداعية جديدة، وأوجد وسائل مجدية تقنياً واقتصادياً يقوم فيه على إنشاء مصنعٍ خاص لكل جزءٍ ومكونٍ من مكونات القمامة أو المخلفات المنزلية.

 

فعلى سبيل المثال، يقوم الإنسان بإنتاج الكهرباء وتوليد الطاقة، أو إنتاج الماء الساخن للتدفئة في فصل الشتاء القارس عن طريق مصنعٍ خاص يقوم بحرق الجزء العضوي من المخلفات المنزلية والاستفادة من هذه الحرارة المنبعثة من الحرق، أو إنشاء مصنعٍ آخر يقوم أيضاً بالاستفادة من المكونات العضوية في القمامة، ولكن لإنتاج السماد العضوي، أو مواد مخصبة للتربة يُطلق عليها بالكمبوست، كما أنه في بعض الأحيان يتم تحويل هذا الجزء العضوي من القمامة إلى وقود، وبالتحديد تحويله إلى غاز الميثان أو الغاز الطبيعي، والذي يستعمل في أفران المطابخ، أو لتوليد الكهرباء.

 

وفي المقابل فإن هناك العديد من المصانع الأخرى التي يمكن إنشاؤها باستخدام المواد غير العضوية الموجودة في القمامة كمواد خام أولية. فهناك مصنع خاص بتدوير وإعادة إنتاج المخلفات البلاستيكية في القمامة المنزلية، ومصنع ثان لإعادة إنتاج مخلفات الحديد والمعادن الأخرى، ومصنع ثالث لتدوير الألمنيوم، ومصنع رابع لتدوير وإعادة إنتاج الأوراق والكرتون، ومصنع خامس لفَكِ وفصل مكونات المخلفات الإلكترونية الموجودة في القمامة المنزلية، ومصنع سادس لإعادة صناعة المخلفات الزجاجية، ومصنع سابع يقوم بتدوير مخلفات الأخشاب.  

 

فهل بعد كل هذه المصانع التي تُشيد وتبنى، وتقوم كلياً على الاستفادة من كل جزءٍ صغيرٍ أم كبيرٍ من القمامة المنزلية نستغرب من سويسرا أو السويد على استيرادها للمخلفات؟  

 
ولكن الأمر المستغرب لدى الجميع يجب أن يُوجه حقاً إلى بلادنا لعدم قيامها حتى الآن بإنشاء مثل هذه المصانع، وبما يتناسب مع ظروفنا واحتياجاتنا الخاصة، علماً بأنني نبهت إلى هذه القضية منذ أكثر من ثلاثين عاماً في كتابي تحت عنوان: "القمامة المنزلية وطرق الاستفادة منها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق