الأحد، 2 يوليو 2017

حرب الخليج انتهتْ ومعاناة الجنود لم تنْتَه


 

حرب الخليج انتهت منذ زمنٍ بعيد، وباتت جزءاً من التاريخ المعاصر، ولكن ما يجهله الكثير من الناس وأصبح في زمن النسيان هو أن تداعياتها وانعكاساتها الصحية المهلكة لأجساد الجنود الأمريكيين ونفسياتهم لم تنته بعد، والوقائع والدراسات المتخصصة تشير بأنها لن تنته في القريب العاجل!

 

فما هي هذه الأضرار الصحية العصيبة التي نزلت على الجنود منذ أكثر من 26 عاماً، والتي مازالت آثارها العميقة باقية عليهم، ومازال الجنود يقاسون منها ويعانون يومياً من آلامها وشدة وطأتها عليهم؟

 

فقد بدأ المشهد الأول الخاص بِبُروز هذا المرض الغريب إلى أرض الواقع في نهاية عام 1991 بعد أن وضَعتْ الحرب أوزارها، وانتقل الجنود الأمريكيين إلى ثكناتهم، وبدؤوا بالرحيل إلى أوطانهم ومسقط رؤوسهم، وعندئذٍ وبشكلٍ مباشر خاض هؤلاء الجنود حرباً ثانية، ولكن هذه المرة كانت هذه الحرب من نوعٍ آخر أكثر وطأة، وأشد بأساً وتنكيلاً بهم وبأسرهم، وأكثر تدميراً لصحتهم وسلامتهم، فالعدو هنا مجهول وغير معروف، ولا يمكن الكشف عن هويته، ولا يمكن مواجهته وجهاً بوجه.

 

ففور رجوعهم من الحرب عانى الكثير منهم من أعراضٍ غريبة وغامضة ومُركبَّة لم يشهد لها الطب مثيلاً، وتتلخص في آلامٍ في العضلات والمفاصل، وعدم القدرة على ممارسة الرياضة، ومشكلات في الأعصاب والجهاز الهضمي، والشعور بالتعب والإرهاق المستمرين، وضيقٍ في التنفس، والصُداع المزمن، وفقدان الذاكرة، إضافة إلى  مشكلات سلوكية ونفسية كالاكتئاب والقلق.

 

وفي بداية ظهور أعراض المرض لم يعترف الأطباء بأنه مرض جديد مستقل في حد ذاته كالأمراض العضوية الأخرى المعروف اسمها وسببها وعلاجها، كما إن وزارتي الدفاع والمحاربين القدماء اعتبرتا هذه الأعراض وَهْمية وغير عضوية وأنها نشأت بسبب الصدمة والهزة الجسدية والعقلية والنفسية الشديدة التي يتعرض لها الجندي عند خوض المعارك الضارية ومشاهدة أهوالها والأجسام الميتة، والأجساد المتقطعة والمتناثرة، والدماء الغزيرة التي تنزف منها، ويُطلق عليها بحالة ما بعد الصدمة (post-traumatic stress disorder).

 

ولكن مع مرور الوقت، ومع ازدياد هذه الحالات التي وصلت إلى قرابة ربع مليون جندي يعانون من أعراض مرضية واحدة، اضطر البنتاجون إلى الاعتراف به كمرض عضوي في حد ذاته، وأُطلق عليه مرض حرب الخليج (Gulf War illness (GWI))، أو ظاهرة حرب الخليج(Gulf War Syndrome).

 

وقد انكشفت عدة نظريات خلال الـ 26 السنة الماضية لتفسير هذه الحالات الغريبة الفريدة من نوعها وهذا المرض الجديد، وقُدمَتْ الأدلة العلمية والطبية لمعرفة أسرارها وإيجاد الخيوط لفك شفرات هذا اللغز المحير، وهذه النظريات أُلخصها في النقاط التالية:

أولاً: حبوب بروميد البيردوستجمين(pyridostigmine bromide pills) التي أعطيت للجنود لتَقِيهم من غازات الأعصاب.

ثانياً: التعرض للملوثات التي انبعثت بعد إطلاق صواريخ سكد(Scud missiles) على مخازن الذخيرة والقنابل والأسلحة.

ثالثاً: التعرض للمبيدات الحشرية الفسفورية التي استخدمت لتعقيم الخيام والملابس والأدوات والمعدات التي يستخدمها الجنود، ومنها السارين وسيكوسارين(sarin and cyclosarin).

رابعاً: التعرض للملوثات التي انبعثت من أكثر من 700 بئرٍ نفطي محترق في الكويت.    

خامساً: الحُقن التي أعطيت للجنود ضد الأنثركس أو الجمرة الخبيثة(anthrax vaccine).

سادساً: التعرض لغبار اليورانيوم المستنفد أو الناضب(depleted uranium) الناجم عن القنابل.

 

أما بالنسبة لعلاج المرض فمازال الأطباء الأمريكيين يتخبطون في إيجاد الدواء المناسب، وبين الحين الآخر تنكشف دراسات تحاول علاج هذا اللغز المرضي الغامض، وآخر دراسة من هذا النوع، ولن تكون حتماً الأخيرة تلك المنشورة في 20 يونيو من العام الجاري في مجلة "ترافيك"(Traffic)، حيث زعمت أنها اكتشفت مادة مانعة للأنزيم لمعالجة المرض، ومنها يمكن إنتاج عقار يخفف من الأعراض التي يصاب بها مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين.   

  

وفي تقديري، فإن الملوثات التي كانت موجودة في كل المصادر التي ذكرتها، والتي دَخَلتْ في أجسام الجنود بشكلٍ يومي ومباشر، تَكُون قد عملت بطريقة مجموعية تعاونية وتراكمية مع الزمن، وأدت إلى ظهورها على شكل أعراضٍ مرضية لم يَعرفها الإنسان من قبل، ونَجم عنها هذا المرض الجديد الذي لم يعترف به المجتمع الطبي الأمريكي لفترة تزيد عن الـ 17 عاماً، ولذلك فإن هذا المرض سيكون عصياً على العلاج الكافي والدواء الشافي، وسيحتاج إلى سنواتٍ طويلةٍ عِجاف لكي ينجح العلماء في سبر أغواره وفهم أسراره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق