الاثنين، 10 يوليو 2017

أمريكا تَعْزل نفسها مناخياً


اختارتْ الولايات المتحدة الأمريكية بمحض إرادتها أن تَتَقَوقع عن العالم الخارجي، وتنطوي على نفسها، وتعزل جسمها عن محيطها الخارجي من دول العالم بسياستها التي تبنتها منذ تولي ترمب سدة الحكم تحت شعار "أمريكا أولاً"، وهذه السياسة الحِمائية والانعزالية تغطي مجالات وقطاعات واسعة من بينها السياسات والاستراتيجيات الخاصة بحماية البيئة ومواردها وثرواتها العامة المشتركة، وبالتحديد تلك المتعلقة بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض.

 

وقد تجلت هذه العُزلة المناخية للولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ جلي وواضح في اجتماع دول مجموعة العشرين الذي أُسدل الستار عن أعماله في الثامن من يوليو من العام الجاري، حيث تمخضت عنه وثيقة ختامية تحت عنوان: “إعلان مجموعة العشرين: تَشكِيل لِعَالم مُتصل"، وجاءت في الإعلان بنود لا شك فيها تؤكد على القطيعة الأمريكية لقضية التغير المناخي خاصة، وتؤكد في الوقت نفسه إجماع واتفاق الدول كلها باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية على التعهد بتنفيذ اتفاقية باريس الخاصة بالتغير المناخي، ومن هذه البنود التي وردت في الإعلان:"نحن قد لاحظنا قرار الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من معاهدة باريس حول التغير المناخي.....ونحن قادة الدول نُؤكد على أن الاتفاقية غير قابلة للمراجعة ونهائية، ونُكرر التزامنا القوي بهذه الاتفاقية".

 

وجدير بالذكر أن هذه العزلة المناخية الطوعية والانشقاق عن الإجماع الدولي ليست وليدة اليوم، وإنما هي سياسة عامة يسير على نهجها الحزب الجمهوري منذ عقود ولكنها تكرست وتعمقت بشكلٍ أشد وأكثر قوة ووضوح في عهد الرئيس ترمب، فانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية في الأول من يونيو من العام الجاري من اتفاقية باريس حول التغير المناخي والتي وقعت عليها 195 دولة، سبقها انسحاب آخر من بروتوكول كيوتو لعام 1996 حول التغير المناخي في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.

 

ولكن في هذه الحالة التي نشاهدها أمامنا اليوم، قرر المجتمع الدولي أن يُعلن بدء مسيرة قطار التغير المناخي، وأن يتحرك هذا القطار في اتجاه تنفيذ بنود اتفاقية باريس للتغير المناخي حتى بدون أن تركب الولايات المتحدة الأمريكية هذا القطار وتتخلف عنه.

 

فقد وجد العالم "فرصة" عظيمة يجب عدم تفويتها واستغلالها، وهي ليست فرصة لحماية مكونات البيئة الحية وغير الحية ومنع سخونة الأرض والتداعيات العصيبة التي تنجم عنها فحسب، وإنما هي في الوقت نفسه فرصة اقتصادية ثرية، وسوق مالية غنية وواسعة ستَتَكون على المستوى الدولي عند الالتزام باتفاقية باريس وتنفيذ بنودها بشكلٍ جماعي مشترك، وذلك من حيث التوجه نحو "الاقتصاديات الخضراء" والمتمثلة في اقتصاديات الطاقة النظيفة وأنواع الوقود المتجددة والصديقة للبيئة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وطاقة المخلفات العضوية، والطاقة المائية، إضافة إلى الأنواع النظيفة ومنخفضة التلوث من الوقود الأحفوري، كالغاز الطبيعي، والغاز الطبيعي المـُسال.

 

فعند ولوج دول العالم برمتها نحو الاقتصاد الأخضر من خلال تحقيق أمن الطاقة وتطوير واستخدام والاستثمار في كافة أشكال وأنواع مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة بيئياً، فعندها يضرب المجتمع الدولي عصفورين بحجرٍ واحد. أما الأول فيتمثل في تحسين نوعية البيئة التي نعيش فيها، وبالتحديد بيئة الهواء الجوي، فنتخلص في الوقت نفسه من المظاهر البيئية الكارثية التي لها علاقة بجودة الهواء، وبخاصة ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة كوكبنا والتي لها تداعيات وانعكاسات وخيمة على الإنسان وبيئته على مستوى الأرض برمتها، مثل ارتفاع درجة حرارة المحيطات وارتفاع مستوى سطح البحر، ونزول الفيضانات والأعاصير المهلكة للحرث والنسل، وظهور الأمراض المعدية والمستعصية على العلاج. وكل هذه المردودات البيئية تضرب اقتصاد الدول، وترهق ميزانياتها وتدخل العالم في حالةٍ من الركود وعدم الاستقرار الاقتصادي. وفي الوقت نفسه فإن لهذه المردودات أبعاد أمنية خطيرة تهدد استقرار الدول وتزعزع الأمن على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي.   

 

أما الثاني فإن التوجه نحو تقانات مصادر الطاقة الحديثة نسبياً وخلق سوقٍ مستقل لها، يكون الملايين من الوظائف التي تحتاج إليها دول العالم قاطبة لتخفيف حدة البطالة وتحسين الاقتصاد ورفع مستوى معيشة الأفراد والمجتمعات.

 

ولذلك أيقنت دول العالم مَعالم وخيوط هذه الفرصة الذهبية السانحة، وتأكدت بأن لحظة القرار الدولي الجماعي المشترك قد جاءت ويجب عدم التفريط فيه، حتى لو كانت بدون الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعد من أكبر اقتصاديات العالم ولها تأثير فاعل على الساحة الدولية.

 

فهل ستركب الولايات المتحدة الأمريكية قطار التغير المناخي لاحقاً، أم أنها ستبقى خارج المجتمع الدولي في قضية التغير المناخي؟  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق