الثلاثاء، 25 يوليو 2017

الشعب الأمريكي مُخدَّر


لفتت انتباهي واستغرابي صورة نُشرت في معظم الصحف الأمريكية، وهذه الصورة تُشاهد فيها منظراً عجيباً غريباً ليس علي شخصياً فحسب وإنما ربما على المجتمع الغربي عامة، فتُشاهد الطابور الطويل من الشعب الأمريكي الواقف بلهفةٍ شديدة لساعاتٍ طويلة أمام أحد المحلات، وهذا المحل ليس لشراء الحاجيات الحياتية الأساسية التي لا يعيش بدونها الإنسان ولا يستغني عنها يوماً واحداً كرغيف الخبز أو الحليب، وإنما أَرهق هذا الإنسان نفسه واقفاً ومنتظراً وصابراً من أجل حاجةٍ أخرى أدمن عليها واعتمد عليها كلياً، فلا تستقيم حياته اليومية بدون اقتنائها وتناولها.

 

فما أن أُعلنَ عن بيع الحشيش أو الماريوانا رسمياً في ولاية نيفادا لأغراض الترويح عن النفس والتسلية في الأول من يوليو من العام الجاري حتى هَبَّ الناس سراعاً على شكل سيولٍ بشرية، وهجموا في ساعات الصباح الباكر للاصطفاف في طوابير عريضة وطويلة امتدت لمسافات أمام مراكز ومحلات بيع الحشيش، واستمر الحال على هذا الحال البائس لعدة أيام فقط حتى أن رفوف الحشيش أصبحت فارغة في هذه المحلات وبسرعةٍ شديدة، ونفد الحشيش كلياً من جميع مراكز ومحلات البيع.       

 

ولمواجهة احتياجات الناس من "الحشيش"، ونظراً لشدة الطلب المتزايد على هذا المخدر، اضطرت ولاية نيفادا وبعد أسبوعين فقط من السماح ببيع الماريوانا لأغراض الترويح عن النفس والتسلية، وبالتحديد في 13 يوليو ممثلة في "هيئة ضرائب نيفادا" إلى الموافقة على "إجراء طارئ" لسد هذا النقص والعجز في مخزون الحشيش وتسهيل انتقاله إلى محلات البيع.

 

وربما يقول البعض بأن هذا المنظر يمثل حالة واحدة فريدة قد وقعت في هذه الولاية، وليس نمطاً ومشهداً سائداً في المجتمع الأمريكي وفي ولاياتها الخمسين.

 

وللإجابة عن هذا السؤال أُقدم لكم بعض الحقائق حول واقعية استخدام الحشيش في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن هناك حالياً وحتى كتابة هذه السطور 28 ولاية إضافة إلى العاصمة مقاطعة واشنطن تسمح باستعمال الحشيش لأغراض طبية ولعلاج المرضى، وهناك حتى الآن تسع ولايات قد سمحت باستخدام الحشيش للاستعمال الشخصي ولأغراض الترويح والتسلية، وأعداد الولايات في ازدياد مطرد كل سنة، وعلاوة على هذا فإن أعداد الأمريكيين الذين يوافقون على السماح لاستخدام الحشيش لأغراض طبية أو للترويح عن النفس في ازدياد مستمر كل سنة. وفي الإحصاء المنشور في العشرين من أبريل من العام الجاري في صحيفة الواشنطن تايمس، أكد 71% من الأمريكيين موافقتهم على السماح لاستخدام الحشيش بشكلٍ عام، و 83% منهم وافق على استخدامه لأغراض طبية في حين أن 49% وافق لأغراض شخصية وللترويح عن النفس. والآن في الولايات التي تسمح لاستخدام الحشيش لأغراض شخصية، تشاهد فيها أجهزة الصراف الآلي للحشيش منتشرة في الشوارع، كما ترى بشكلٍ ملحوظ محلات لبيع الحشيش دون أن تخرج من سياراتك، كما تشتري الهامبيرجر!

 

وفي المقابل هناك في الولايات المتحدة الأمريكية إدمان على نوعٍ آخر من المخدرات وصل إلى درجة "الوباء"، كالأفيون والهيروين، والعلماء والأطباء والمختصون يصرخون ويحذرون من استفحال هذا الوباء في المجتمع الأمريكي كانتشار النار في الهشيم. فقد جاء في مقالين في صحيفة النيويورك تايمس التحذير من هذا الوباء، حيث نُشر المقال الأول في السادس من يناير من العام الجاري تحت عنوان: "نظرة من الداخل لوباء المخدرات: مشهد من أزمة إدمان أمريكا على الأفيون"، والثاني في الثامن من يناير من العام الجاري وعنوانه: "مد الأفيون من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي"، كما نُشر أيضاً مقال في 22 يونيو من العام الجاري حول الأفيون القاتل الجماعي للشعوب، وفي هذه المقالات تم التأكيد على عدة حقائق منها أن هناك ارتفاعاً مشهوداً ومتزايداً كل سنة في عدد الموتى من الشعب الأمريكي بسبب تعاطي الأفيون أو الهيروين، وبخاصة الذين تقل أعمارهم عن الخمسين عاماً، ففي عام 2015،وباء الأفيون قضى على 33 ألف أمريكي، وارتفع عدد الموتى في عام 2016 إلى 59 ألف بسبب الجرعة الزائدة، علماً بأن إحصاءات المركز القومي حول استخدام المخدرات والصحة يفيد بأن هناك 1.35 مليون أمريكي من الفقراء ذوي الدخل المحدود يعانون من وباء الأفيون. وفي الأول من يوليو من العام الجاري نشرت صحيفة النيويورك تايمس خبراً حول تخصيص الحكومة لمبلغ وقدره 45 بليون لمحاربة الإدمان في المجتمع الأمريكي على المخدرات، وبخاصة الأفيون، ومعالجة ضحايا هذا الوباء، كما نشرت الصحيفة نفسها تحقيقاً في 13 يوليو من العام الجاري حول ظاهرة جديدة بدأت تتفشى وهي ولادة أطفال مدمنين على المخدرات، وبالتحديد الأفيون، وعنوانه:" مدٌ كبير من الأطفال المولودين حديثاً والمدمنين على المخدرات"، حيث أكد على أنه في الفترة من 2003 إلى 2012 ارتفع عدد الأطفال المولودين وهم يعانون من الإدمان خمسة أضعاف، ففي ولاية كنتكي، على سبيل المثال، 15 طفلاً من بين ألف طفل يعانون من هذه الحالة، وهناك الآن نحو 2.5  مليون طفل تحت العناية الخاصة لعلاج ظاهرة الإدمان منذ الولادة.

 

والآن وبعد هذه الإحصاءات الرسمية والحقائق الدامغة يشك أي إنسان بأن الشعب الأمريكي يعاني من وباء المخدرات بشكلٍ عام، وأنه شعب مخدر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق