الجمعة، 14 يوليو 2017

البقرة في قَفَص الاتهام!


هذه البقرة الذلُول المطيعة التي تخدم البشرية جمعاء منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، فنستفيد من حليبها، ومن لحمها، ومن جلدها، ومن كل قطعةٍ صغيرة أو كبيرة من جسمها، وهي في الوقت نفسه التي تحرث الأرض، وتُنعش التربة، وتنمي الزرع، فقد عِشْنا على خيراتها سنواتٍ طويلة كما عاش الأقدمون، وستظل هذه البقرة معطاءة ومنتجة للأجيال اللاحقة.

فهذه البقرة أصبحت اليوم حَبِيسة في قفص الاتهام، ليس لها من يدافع عنها وعن حقوقها وعن تاريخها المشرِّف العريق، فالتُهمة الموجهة إليها الآن أنها وبعد قرونٍ طويلةٍ من العطاء، أصبحت غير "صديقة للبيئة"، فهي تنبعث عنها مخلفات غازية تؤثر على درجة حرارة الأرض وتُكوِّن ظاهرة التغير المناخي المشهودة، بل وإن الكثير من العلماء يُطلقون عليها بـ "القنبلة المناخية".

فتفاصيل هذه التهمة تتلخص في عدة نقاط. أما الأولى فهي انبعاث غاز الميثان من الأبقار نتيجة لعملية مضغ وهضم الطعام وتحلله في الجهاز الهضمي، حيث يخرج هذا الغاز من جسم البقرة من خلال "التَجَشؤ" والتنفس، وهذا الغازيعتبر من أشد الغازات والملوثات وطأةً وتأثيراً على الكرة الأرضية من حيث وقوع ظاهرة التغير المناخي وسخونة الأرض، فلهذا الغاز قدرة أكثر من23 مرة من الغازات الأخرى المتهمة برفع درجة حرارة الأرض، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون. أما تركيز ونسبة الميثان التي تنطلق من الأبقار فتعتمد على نوعية الأعلاف التي تستهلكها هذه الأبقار وتتغذى عليها حسب الدراسة التي نشرتها منظمة "الحدائق الملكية البريطانية" ومركز أبحاث سينكبيرج للمناخ والتنوع الحيوي في 29 مارس من العام الجاري، حيث أكدت الدراسة على أهمية نوع الغذاء والعلف في حجم انبعاث الميثان من الأبقار، فكلما زادت صعوبة هضم البقرة للنبات أو العلف ارتفعت نسبة الميثان، لأن الأكل يستغرق في المعدة وقتاً أطول لهضمه.

وأما التهمة الثانية فهي أن مخلفات الأبقار الصلبة والسائلة عند تحللها وتعرضها للهواء الجوي ومتغيرات الطقس من حرارة وضوء وغيرهما تنبعث منهما أيضاً مجموعة من غازات الدفيئة، أو الغازات التي ترفع درجة حرارة كوكبنا، منها على سبيل المثال غاز أُكسيد النيتروز، وهو أقوى بـ 298 مرة من ثاني أكسيد الكربون، أي أن له قدرة شديدة ومرتفعة جداً على إحداث التغير المناخي في الكرة الأرضية. وأما النقطة الثالثة فتتعلق في تربية الأبقار والمواشي وما يصاحبها من استخدام واسع النطاق للمبيدات الحشرية بأنواعها المختلفة في زراعة الأعلاف، إضافة إلى استعمال الوقود الأحفوري في عملية الزراعة بشكلٍ عام، والتي تنبعث عنها ملوثات، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون، المتهم الرئيس في وقوع ظاهرة التغير المناخي.

فالأبقار والمواشي بشكلٍ عام يتحملون مسؤولية 18% من مجموع انبعاث غازات الدفيئة والغازات التي تؤدي إلى سخونة الأرض على المستوى الدولي، حسب أحدث تقارير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة(الفاو).

وفي السياق نفسه، نشرتَ منظمة بيئية دولية غير ربحية يُطلق عليها مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية تقريراً في 20 مايو من العام الجاري حول علاقة المواد الغذائية التي يستهلكها المواطن الأمريكي بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض، وقد شملت قائمة مكونة من عشرة أنواع من أكثر المواد الغذائية الرئيسة التي يستهلكها يومياً.

وقد جاءت نتائج الدراسة لتُؤكد التهمة الموجهة للبقرة، وتُثبت دورها الرئيس ومساهمتها الكبيرة في التغير المناخي، حيث أفادت بأن لحم البقر يقع في المرتبة الأولى من بين الأغذية التي يتناولها الأمريكي، فالكيلوجرام من لحم البقر ينبعث منه إلى الهواء الجوي قرابة 26.5 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون، في حين أن استهلاك كيلوجرامٍ من لحم الغنم يولِّد 22.9 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون، أي يحتل المرتبة الثانية بعد لحم البقر، ولحم الخنزير ينطلق منه قرابة 7.9 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء الجوي مقارنة بالدجاج والديك الرومي الذي ينبعث منه قرابة 5 كيلوجرامات من ثاني أكسيد الكربون.

ولذلك يوجه العلماء أبحاثهم الآن نحو كيفية الحد من انبعاث هذه الملوثات من الأبقار من أجل خفض تأثيرها على كوكبنا، منها إنتاج مادة كيميائية ضد "التجشؤ"، أو في الأقل أنها تُقلل من عدد مرات تجشؤ البقرة، فتُوضع هذه المادة الكيميائية مع العلف والمواد الغذائية التي تُقدم للأبقار ويُطلق عليها نيترو أوكسي بروبانول(3-nitrooxypropanol)، ومنها جمع غاز الميثان من الأبقار واستخدامه كمصدر للطاقة، حيث إنه من المعروف أن غاز الميثان هو الغاز الطبيعي الذي يستخرج من باطن الأرض ويستخدم في توليد الكهرباء وكمصدر للوقود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق