الثلاثاء، 12 مارس 2019

الحشيش يُسيل لعاب شركات السجائر



عندما تذهبْ إلى فنادق الخمس أو السبع نجوم ومنذ أن تطأ قدمك أرض الفندق وتدخل إلى البهو متجهاً نحو ركن الاستقبال، يتقدم إليك موظفو الفندق العاملون في مجال الضيافة والاستقبال بابتسامةٍ عريضة، وترحيبٍ حار، ويقدمون لك أحلى ما لديهم من المشروبات التقليدية الخاصة بتلك البلاد، ثم بعد أن تنتهي من مراسم الاستقبال وإجراءات التسجيل لتخصيص الغرفة التي قُمت بحجزها، يأخذك الموظف المختص إلى الغرفة، وعندما تدخل غرفتك تجد أمامك سلة من الفواكه المتنوعة اللذيذة، أو الحلوى الشهية، أو باقة من الورد بألوانه المختلفة الجميلة الزاهية.

أما الآن، ونحن في القرن الحادي والعشرين، فهناك مشاهد أخرى حديثة قد أُضيفت إلى قائمة إجراءات استقبال ضيوف الفندق، وبخاصة الأشياء التي تُوضع لك في الغرفة كدليل على حسن الضيافة والترحيب بنزولك في هذا الفندق.

ففي بعض الفنادق الراقية والغالية في مدينة صناعة الأفلام، في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ستندهش كثيراً عندما تدخل غرفتك فتجد أمامك وفي استقبالك هدية من نوعٍ جديد ستراها لأول مرة في حياتك في غرفة الفندق وهي "باقة من أنواع الحشيش"، أو سلة بها كل ما لذَّ وطاب من تشكيلات الحشيش المختلفة، أو ما يُعرف أيضاً بالماريوانا أو نبات القنب. وفي السياق نفسه، فقد أعلنتْ سلطات مطار لوس أنجلوس الدولي في الأول من أكتوبر 2018 بأنها ستسمح بإدخال كميات وأحجام صغيرة من الحشيش من خلال المطار.
   
فقد أَكدتْ صحيفة اللوس أنجلوس تايمس في التحقيق المنشور في 22 يونيو من العام المنصرم عن هذه الظاهرة الجديدة التي انكشفت في مدينة لوس أنجلوس وفي ولاية كاليفورنيا عامة، ولا شك بأن عدواها ستنتقل إلى الولايات الأمريكية الأخرى التي أحلَّتْ استخدام الحشيش لأغراض شخصية ولاستعمالات الترويح والترفيه عن النفس، فحتى كتابة هذه السطور بلغ عدد الولايات عشر ولايات إضافة إلى واشنطن العاصمة التي سمحت لمثل هذا الاستخدام الترفيهي الفردي، وعلاوة على ذلك فهناك 33 ولاية تسمح لاستخدام الحشيش لأغراض طبية وللعلاج البشري.

فوجود مثل هذه الظاهرة العامة وانتشارها في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى أحلَّت الاستخدام الشخصي للحشيش مثل أورجواي أولاً ثم كندا في أكتوبر 2018، لا تَفُوتُ على شركات التبغ والسجائر العملاقة التي تقتنص أية فرصة سانحة وتنتهز أية مناسبة لتحقيق مكاسب مالية وأرباح سنوية. ولذلك قامت شركة ألتريا المعروفة بصناعة سيجارة مارلبورو الشهيرة في ديسمبر 2018 بالاستثمار في شركة الحشيش الكندية في تورنتو (Cronos Group Inc.) بمبلغ 1.8 بليون دولار، أي الاستحواذ على 45% من أسهم الشركة، حسب ما نُشر في جريدة الواشنطن بوست في السابع من ديسمبر 2018.

فهذا الاستثمار الضخم في الحشيش لشركات التبغ لا يأتي من فراغ فهم يشمُّون عن بعد رائحة تجارة الحشيش التي لن تبور، واستندوا بذلك على عدة معطيات وإحصاءات واقعية ملموسة. أما الأول فالارتفاع المطرد والمستمر كل سنة لأعداد الولايات التي تدخل في دائرة السماح للحشيش، إما لأغراض طبية علاجية أو أغراض شخصية ترفيهية، إضافة إلى ازدياد أعداد دول العالم التي تتخذ مثل هذه القرارات. وقد أكد المقال المنشور في السابع من ديسمبر 2018 في صحيفة الـ يو إِس أيه توداي(USA Today) أن عدد الأمريكيين الذين يوافقون على السماح لاستعمال الحشيش ارتفع بنسبة ملحوظة من 40% قبل عقد من الزمن إلى 64% حسب آخر استطلاع للرأي قام به جالوب بول(Gallup poll) في 28 أكتوبر 2018. كما أفاد الاستطلاع بأن أكثر من نصف الأمريكيين جربوا الحشيش مرة في الأقل في حياتهم، وكان آخر من اعترف بذلك المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية لعام 2020  والسيناتورة كامالا هاريس في مقابلة إذاعية بأنها كانت تدخن الحشيش في السابق، حسب ما ورد في صحيفة الواشنطن تايمس في 12 فبراير من العام الجاري. وهذا الحال بالنسبة للحشيش ينطبق على بريطانيا، حيث أفاد استطلاع الرأي الذي أُجري في 14 يوليو 2018 بأن 51% من البريطانيين يوافقون على السماح لاستخدام الحشيش والتعامل مع الحشيش كما يتم التعامل مع الخمر والسجائر.

أما السبب الثاني الذي يجعل لعاب شركات التبغ والسجائر يسيل نحو الحشيش هو الأرباح التي تجنيها الشركات الحالية التي تستثمر في زراعة الحشيش أو بيعه وتسويقه. فالشركة الكندية التي تبيع الحشيش ستصل أرباحها من بيع الحشيش نحو خمسة بلايين دولار بحلول عام 2020، كما أن صناعة الحشيش في الولايات المتحدة الأمريكية بلغت قيمتها نحو 8.7 بليون دولار في عام 2017.

فمن الواضح إذن أن مستقبل استعمال الحشيش سيكون مشرقاً وواعداً، وهذه الشركات الكبرى التي خسرت بعض أرباحها من انخفاض أعداد المدخنين لسجائر التبغ التقليدية ستقوم بإيجاد البديل وتعويض هذه الخسائر. فالبديل الأول كان السجائر الإلكترونية والشيشة الإلكترونية بمختلف أحجامها وأشكالها، وغداً ستكون سجائر الحشيش، وستقوم شركات التبغ باستنفار جنودها في خلاياها النائمة من رجال السياسة حول العالم أجمع، والمتنفذين في كل دولة من دول العالم، والعلماء والباحثين، ورجال الإعلام، وغيرهم من الجنود المجهولين المأجورين لكي يقوم كل بدوره بتلميع صورة الحشيش وجعله كأنه المنقذ للبشرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق