الجمعة، 22 مارس 2019

هل عبارة "الحَدْ المسموح به دولياً" صحيحة؟


الكثير من الناس من رجال السياسة والحكومة والمثقفين يستخدمون عبارات في مجال تلوث البيئة وتركيز الملوثات فيها، سواء في المياه الجوفية أو السطحية، أو الهواء الجوي، أو التربة الزراعية وغير الزراعية، وهي في الحقيقة عبارات غير صحيحة، ولا أساس لها من الناحية العلمية والبيئية، أو الواقعية.

فعلى سبيل المثال عندما يريد أي مسؤول حكومي تقديم الأعذار وتبرير وجود الملوثات في مكونات وعناصر البيئة الحية وغير الحية فيقول بأن تركيز هذه الملوثات يقع ضمن "الحد المسموح به دولياً"، أو يستخدم عبارة أن نسبة هذه الملوثات تتوافق مع "المعايير والمواصفات البيئية الدولية"، أو في بعض الأحيان يُطلق تصريحات بأن هذه الملوثات تقع ضمن "الحدود الآمنة".

وفي الحقيقة فإن تبني الحكومات والمسؤولين لمثل هذه العبارات يُعد بالنسبة لي أمراً خطيراً ويُعطي للجمهور وعامة الناس مفهوماً خاطئاً وانطباعاً غير سليمٍ وغير دقيق من الناحيتين البيئية والصحية حول التهديد العقيم الذي يمثله التلوث لصحة الإنسان وبيئته والحياة الفطرية في البر والبحر. فاستخدام مصطلح الحد الآمن للملوثات يُعطي الضوء الأخضر للمصانع ومصادر التلوث الأخرى بأنه من المسموح لهم والمقْبُول منهم تلويث البيئة ولكن بقدرٍ مُحدد ومعلوم، أي يمكن للمصانع ومحطات توليد الكهرباء والسيارات وغيرها أن تُطلق الملوثات إلى البيئة بصفةٍ رسمية قانونية في "الحدود الآمنة والسليمة"، في حين أن الدراسات العلمية والبيئية المنشورة في السنوات الماضية تؤكد بأنه لا يوجد حد آمن للتلوث، وتؤكد هذه الأبحاث وتُجمع على أن التلوث هادم للصحة، ومدمر للبيئة، ومفسد لأمن وسلامة الحياة الفطرية، حتى ولو كانت الملوثات الموجودة في مكونات البيئة بتراكيز منخفضة جداً.  

وفي المقابل يُبرر المسؤول الحكومي عجزه في التعامل مع التلوث وإدارته بأسلوب مستدام وعدم قدرته على التخلص منه واستئصاله من بيئتنا باستخدام عبارة مضللة أخرى هي أن الملوثات موجودة في بيئتنا في "الحدود المسموح به دولياً"، أو أن تركيز هذه الملوثات يتوافق مع "المعايير الدولية"، وبالتالي يكون قد ارتاح من بذل الجهد والعمل الدؤوب في مكافحة التلوث والقضاء كلياً وبشكلٍ جذري على مصادر الملوثات القاتلة للحرث والنسل.

فحسب معلوماتي لا توجد حتى الآن معايير ومواصفات "دولية" في مجال تركيز الملوثات في الهواء أو الماء أو التربة، أي أن دول العالم تحت مظلة منظمات الأمم المتحدة ذات العلاقة لم تتفق على معايير مشتركة وملزمة في هذا الجانب. فكل دولة تضع المعايير البيئية التي تتناسب مع ظروفها البيئية، وأوضاعها الاقتصادية، وأهوائها السياسية والحزبية، وإمكاناتها الفنية والتقنية، بل وفي بعض الأحيان كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك مواصفات ومعايير بيئية تختلف من ولاية إلى أخرى، وبخاصة من ناحية جودة الهواء الجوي، وعلاوة على ذلك فإن هذه المواصفات ديناميكية وغير ثابتة في طبيعتها، أي أنها تتغير بين الحين والآخر.

ولذلك أدعو إلى إلغاء العبارات السابقة الذكر من قاموسنا، وأن نعمل جاهدين على القضاء على داء التلوث كلياً من بيئتنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق