الخميس، 14 نوفمبر 2019

خليج توبلي يعود للواجهة من جديد


كنتُ أظن بأن قضية خليج توبلي التي أُتابعها بشغف وأراقب تطوراتها عن كثب منذ أكثر من 35 عاماً قد انتهت وأُزيلت كلياً من جدول أعمال الحكومة، ولكن والحمد لله فقد خاب ظني عندما قرأتُ في الصحافة المحلية أن اللجنة التنسيقية في اجتماعها الـ 286 المنعقد في السابع من نوفمبر قد اطلعتْ على مقترحات خليج توبلي والمحافظة على بيئته، وعلاوة على ذلك فقد وافق مجلس الوزراء في الاجتماع المنعقد في 11 نوفمبر على خطة شاملة لتطوير خليج توبلي تحافظ على طبيعية البيئة وتجمل المنطقة المحيطة به وتحسن دورات حركة المياه.

وفي الحقيقة فإنني فرحتُ بهذا الخبر كثيراً، ورجع لي الأمل مرة ثانية لمناقشة وطرح هذه القضية الخالدة التي تعاني منذ عقود من تجاوزات أيدينا على بيئتها وعلى جسدها النابض، ولكن في الوقت نفسه فإنني لا أريد أن أتفاءل كثيراً، فقد سمعتُ مثل هذه الأخبار عدة مرات في السنوات الماضية، وقرأت عن مقترحات كثيرة سابقة وعن مشاريع طموحة تنوي الحكومة القيام بها.

ودعوني أُذكركم بمثالٍ واحد فقط يُثبت قلقي وعدم تفاؤلي كثيراً، فمازلت أحتفظ بنسخةٍ ورقية من المقابلة الصحفية التي أجراها الأستاذ الفاضل حافظ إمام رحمه الله مع أحد الوزراء المعنيين بخليج توبلي، ونُشرتْ في صحيفة "الأضواء" يوم السبت الموافق 30 يناير 1982، أي قبل قرابة 37 عاماً.
 
وهذه المقابلة ناقشت محوراً واحداً فقط هو مستقبل خليج توبلي وبرامج التطوير والتأهيل المقترحة لهذا الخليج، حيث بَيَّن الوزير أولاً المخاطر التي تحيط بهذه البقعة المائية من حيث التعدي على حدوده الشاطئية والذي أدى إلى ظهور آثارٍ سلبية على تكوينه الطبيعي الجميل وعلى مستقبل هذا المسطح المائي المميز، كما أضاف مُنبهاً إلى التدهور الكبير الذي نزل على بساتين النخيل في جزيرة النبيه صالح. ثم تطرقت المقابلة إلى مستقبل الخليج والدراسة الواقعية المتكاملة التي أعدتها الوزارة المعنية والتي هدفت إلى تحويل خليج توبلي إلى مركزٍ ترفيهي حضاري في إطار طبيعي من خلال إقامة العديد من المرافق، منها أماكن مفتوحة، ومتنزهات عامة، ومبنى للأحياء المائية، وقبة سماوية، ومسرح في الهواء الطلق، إضافة إلى أنشطة مختلفة أخرى تتناسب مع كافة الفئات العمرية مثل التزحلق على الماء والقوارب الصغيرة، وإنشاء مطاعم ومقاهي على السواحل.

والآن عندما ننظر إلى واقعية هذه المشاريع فنجد أن معظمها مازالت أفكاراً ومرئيات لا وجود لها في أرض الواقع بالرغم من وجود جوانب مشرقة ومضيئة تتمثل في الدراسات والتشريعات التي من شأنها ضمان استدامة الخليج كجسم مائي حي ينبض بالحياة.

أما الجانب الإيجابي المشرق الأول بالنسبة لخليج توبلي، فهو القيام بالدراسات وتقديم التصورات الأولية المتعلقة بتطويره وتأهيله، وهي موجودة في الوزارة المعنية وفي متناول يد الجميع، والجانب المشرق الثاني فهو متعلق بسن التشريعات اللازمة لحمايته والمحافظة عليه من أيدي البشر المتعدية على حرماته، فهناك أولاً المرسوم بقانون رقم (53) لسنة 2006 باعتبار خليج توبلي منطقة محمية طبيعية والصادر في الخامس من أغسطس 2006، حيث جاء في المادة الأولى أنه يعتبر خليج توبلي محمية طبيعية من الفئة الثانية، أو متنزه وطني، وجاء في مادة ثانية أن مساحة الخليج يجب أن لا تقل عن 13.5 كيلومتر مربع.

وانطلاقاً من هذا المرسوم صدر قرار وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني رقم (70) لسنة 2011 بشأن تحديد خط الدفان في خليج توبلي والصادر بتاريخ 12 يونيو 2011، حيث حدد مساحة الخليج بـ 15.91 كيلومتر مربع، أي أن هذا القرار ظهر إلى الوجود بعد أكثر من خمس سنوات من المرسوم!

ولذلك فإنني في حيرة من أمري، فنحن نقف اليوم أمام قضيةٍ بيئيةٍ وطنية ملحة ومكتملة الأركان من حيث تحديد ووضع الحلول المناسبة لعلاجها، فالرؤى موجودة وموثقة، والقوانين والقرارات اللازمة لأعمال التطوير والإنشاء أيضاً موجودة ومعروفة للجميع، فماذا ننتظر بعد هذا كله لتفعيل التصورات والمقترحات وتنفيذ المراسيم والقرارات؟ 

ففي تقديري الشخصي فإن هناك عدة عوامل قد تقف حجر عثرة أمام استقرار خليج توبلي بشكلٍ دائم، وتُعرقل أو تبطئ من تنفيذ القوانين والتصورات التي أَشرتُ إليها، وهي كما يلي:
أولاً: هناك حاجة لإصدار وثيقة رسمية هي "وثيقة أرض محمية خليج توبلي"، وذلك استناداً على شهادة مسح معتمدة تُبين على أرض الواقع كل نقطة من حدود هذه المحمية.
ثانياً: حل مشكلة الأراضي التي يمتلكها بعض المواطنين في خليج توبلي، وهذه في تقديري هي العائق الرئيس والمعقد الذي يقف أمام تطوير الخليج بشكلٍ عام.
ثالثاً: تخصيص الموارد المالية اللازمة لتطوير وإعادة تأهيل الخليج من جميع النواحي.
رابعاً: المعالجة الشاملة لمياه المجاري من خلال رفع كفاءة والطاقة الاستيعابية لمحطة توبلي بحيث نتجنب صرف مخلفات المجاري في سواحل الخليج.

وبعد كل هذا فإنني على أمل كبير وثقة تامة بأن المقترحات التي تمت مناقشتها في اجتماع اللجنة التنسيقية ستكون هي البداية لمرحلة جديدة من حياة خليج توبلي، وانطلاقة سريعة نحو تطويره وتنميته للجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق