الاثنين، 18 نوفمبر 2019

إحصاءات مُقلقة حول السيارات في البحرين


إحصائيات مقلقة جداً نشرتها الجهات الرسمية المعنية حول الزيادة المطردة والمتعاظمة غير المسبوقة لأعداد السيارات في شوارع البحرين، بحيث إننا إذا لم نتخذ وبسرعة وحزم جميع الإجراءات والاحتياطات المناسبة والفاعلة لوقف هذا الزحف والتيار الجارف من أسطول السيارات فإن برامجنا التنموية التي نحن في أشد الحرص على رعايتها واستدامتها حتماً ستتأثر على المدى البعيد وسيصيبها الشلل التام، ناهيك عن التدهور الذي سيصيب هواءنا من عوادم السيارات السامة والمسرطنة، والفساد الشديد الذي سيلحق بصحتنا.

فالأرقام حول ارتفاع أعداد السيارات تُنذر بمستقبل عصيب سنضطر إلى مواجهته عاجلاً أم آجلاً، وبخاصة إذا استمر الوضع على ما نحن عليه من عدم الاكتراث والتجاهل لهذه الظاهرة، وعدم وضع استراتيجية واضحة وخطة تنفيذية فاعلة ومؤثرة للحد من انتشارها وتفاقمها بشكلٍ أكبر وعلى نطاقٍ أوسع.

ودعوني أُقدم لكم بعض المعلومات حول ظاهرة الزيادة المفرطة غير المقبولة للسيارات مقارنة بمساحة البحرين وصغر حجمها، وشح شوارعها، وضيق طرقاتها، وبطء أعمال بنائها وتوسيعها. ففي عام 2015 كان عدد السيارات المسجلة 545 ألف، ثم قفز إلى 653 ألف في عام 2016، وفي عام 2017 زاد مرة أخرى فبلغ 686150، واليوم وصلت السيارات إلى أكثر من 711 ألف، أي بزيادة سنوية أعلى من 10%، وهذه الزيادة مستمرة وبمستويات عالية، ولن تتوقف إذا تركنا كما يقول المثل "الحبل على الغارب" وكأن شيئاً لم يكن، وبالتالي تُعد البحرين مقارنة بدول العالم من أشدها كثافة مرورية!

وهذه الظاهرة غير الطبيعية بدأ كل الناس الاكتواء بتداعياتها والمعاناة اليومية من شدتها، وبالتحديد المتمثلة في الازدحام المروري العقيم في كل شوارع البحرين وفي جميع الأوقات من اليوم. فقبل عقد من الزمن كانت فترات الازدحام والاكتظاظ المروري، أو ما يُطلق عليه بفترات الذروة، محدودة في فترتين زمنيتين، هما في الصباح أثناء الذهاب إلى العمل وبعد الانتهاء من الدوام الرسمي ولمدة سويعات قليلة وفي شوارع معروفة، ولكن اليوم تحول الازدحام إلى ظاهرة عامة مقلقة يشاهدها كل الناس وفي جميع الساعات، حتى أن أخلاقيات الناس وسلوكياتهم وتصرفاتهم أثناء السياقة قد تغيرت وأصبحت أكثر حدة وأنانية وغضب نتيجة لطول الانتظار في الشوارع، وبطء الحركة المرورية.

فشدة الازدحام هي واحدة فقط من التداعيات والانعكاسات التي تنتج عن ظاهرة الازدياد المتعاظم في أعداد السيارات، وهي من أكثرها وطأة على الناس لأنهم يشاهدونها أمامهم كل ساعة من اليوم والليلة ويعانون منها بشكلٍ مباشر.

ولكن في الوقت نفسه يجب أن لا نحصر ونختزل مردودات ارتفاع أعداد السيارات في قضية الازدحام المروري فقط والحوادث المؤلمة التي نراها أمامنا في كل يوم، فهناك تداعيات أخرى كثيرة ومتشعبة لا تقل تأثيراً علينا وعلى صحتنا وبيئتنا وتنميتنا وأمن الطاقة في بلادنا من الازدحام.

فهناك أولاً الجانب البيئي الصحي المتمثل في ارتفاع نسبة الملوثات التي تنبعث من عوادم أكثر من 711 ألف سيارة، أو كما أُطلق عليها مصانع صغيرة متحركة، ومن الملوثات الشديدة التأثير على جودة الهواء الجوي الدخان، أو الجسيمات الدقيقة وبالتحديد الصغيرة في الحجم التي لها القدرة على اختراق أعماق الجهاز التنفسي في الشعاب الهوائية في الرئتين والتراكم فيهما، كما أنها في الوقت نفسه قادرة على الانتقال من الرئتين إلى مجرى الدم والوصول إلى كل خلية من خلايا جسم الإنسان مهما كانت بعيدة، فالدراسات اكتشفت هذه الجسيمات الكربونية السوداء في مخ الإنسان، وفي خلايا القلب، وفي مشيمة الأم الحامل. كما أن هناك ملوثات معروفة بأنها تسبب السرطان وتنطلق من جميع السيارات، مثل البنزين، والمركبات العطرية متعددة الحلقات، والعناصر الثقيلة، وغيرها من آلاف الملوثات الأخرى. ولا شك بأن هذا الخليط السام والمسرطن من ملوثات عوادم السيارات التي تدخل الهواء الجوي في كل ثانية تمثل تهديداً خطيراً للأمن الصحي للناس على المدى البعيد.

كما أن مشكلة السيارات البيئية تتمثل أيضاً في آلاف الأطنان من المخلفات السائلة والصلبة التي تنتج يومياً من الصيانة الدورية للسيارات، إضافة إلى مخلفات السيارات القديمة نفسها بعد أن ينتهي عمرها الافتراضي، فكل هذه المخلفات تشكل تحدياً كبيراً للمسؤولين عنها، وبحاجة إلى إدارة سليمة من الناحيتين البيئية والصحية. 

كذلك فإن ظاهرة الازدياد في السيارات تمثل عبئاً كبيراً على أمن الطاقة في البحرين، وبخاصة الجهات المعنية عن تكرير النفط وتوفير وقود السيارات من جازولين وديزل بشكلٍ يومي لهذه الأعداد المهولة التي تستنزف مع الوقت هذا المصدر غير المتجدد والناضب للطاقة وبالتحديد لوقود السيارات، فهل تستطيع هذه الجهات تلبية هذه الاحتياجات المتزايدة من الوقود؟ وهل ستنجح في السنوات القادمة من مواكبة متطلبات الوقود لهذه السيارات؟

إن ما ذكرتُه لكم هو غيض من فيض من المردودات الكبيرة والمعقدة التي لها علاقة بارتفاع أعداد السيارات في البحرين، وكل هذه المردودات المتشعبة البيئية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتنموية تؤكد ضرورة إيجاد حلٍ متكامل وشامل لا يقتصر فقط على تشييد الشوارع، ولا يلقي عبء الحل على كاهل وزارة بعينها، وإنما يجب أن يشترك الجميع ويسهم في الحل، من جهات تشريعية، وتنفيذية، وأهلية، كل حسب تخصصها ومسؤولياتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق