الخميس، 20 فبراير 2020

الأفكار الشيطانية لشركات السجائر الإلكترونية


نشرتْ مجلة التايم الأمريكية تحقيقاً معمقاً ومفصلاً في السادس من فبراير من العام الجاري تحت عنوان: "إنهُ المكر والدهاء، كيف استطاعت شركة "جُولْ" ترويج السجائر الإلكترونية بين قبائل السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية".

فهذا التحقيق يحاول أن يسبر غور قضية قديمة ومتجددة ولا تكاد تنتهي حتى قيام الساعة، وتتمثل في قيام شركات التبغ العملاقة متعددة الجنسيات منذ دخول السجائر لأول مرة في الأسواق باتباع أساليب شيطانية، وطرق شديدة المكر، وحيل في غاية الدهاء من أجل نشر السجائر والتشجيع على التدخين في جميع أنحاء المعمورة دون استثناء، وتبني استراتيجيات مختلفة ومتنوعة حسب نوعية الحُكْم والحاكِم في كل دولة على حدة وهوية الشخصيات القوية المتنفذة في مختلف دول العالم، ثم إجراء دراسة تفصيلية ودقيقة حول نوعية القوانين الموجودة في هذه الدول وآلية تفعيلها وتنفيذها، إضافة إلى توجهات ووعي الناس في هذه الدول والإغراءات والحوافز والوسائل التي يمكن توفيرها واستخدامها لإسقاطهم في شر آفة التدخين والإدمان عليه. فهذه الشركات الكبرى هدفها الأول والأخير هو تحقيق المكاسب المالية الكبيرة والسريعة، ولا ترقُب في أحدٍ إلاًّ ولا ذمة من أجل الوصول إلى هذا الهدف باستخدام كافة السبل الشرعية وغير الشرعية، الأخلاقية وغير الأخلاقية.

ومجلة تايم قدَّمت لنا اليوم نموذجاً فاضحاً لهذه الشركات، وأعطتنا مثالاً جديداً آخر يُضاف إلى الأمثلة الكثيرة التي تطرقتُ إليها سابقاً حول الأساليب الخبيثة التي يتبعونها لنشر بضاعتهم وتسويقها على الناس دون أي إحساس بالمسؤولية أو شعور بالذنب. والتحقيق الذي قامت به المجلة يعتمد أساساً على التقرير الخاص المنشور من اللجنة الفرعية حول "السياسة الاقتصادية والاستهلاكية" للكونجرس الأمريكي ممثلاً في مجلس النواب، وهذا التقرير الصادر في الخامس من فبراير من العام الجاري يأتي تحت عنوان: "التحقيق في ممارسات شركة جُولْ للسجائر الإلكترونية"، حيث لخَّص رئيس اللجنة محتويات التقرير قائلاً بأن "شركات التبغ الكبرى استهدفتْ من قَبْل القبائل الأمريكية الأصيلة وجعلتهم الأكثر نسبة من ناحية التدخين، والآن شركة جول للسجائر الإلكترونية تحذو حذو شركات التبغ الكبرى لافتراس هذه المجتمعات"، فشركات السجائر الإلكترونية، وبخاصة شركة جول اتبعت سنن من قبلهم من شركات السجائر شبراً بشبر وذراعاً بذراع.

وقد توصل التقرير إلى عدة استنتاجات منها:
أولاً: نسبة المدخنين في الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ عام انخفضت على مدار السنوات السابقة، في حين أن النسبة بين السكان الأصليين مازالت تشهد ارتفاعاً ملحوظاً يختلف عن الحالة العامة على المستوى الأمريكي القومي، ففي عام 2018 كان هناك أكثر من 22% من شباب سكان أمريكا الأصليين مازالوا يدخنون مقارنة بنسبة 14% بين الأمريكيين. وهذه الإحصائيات انعكست بشكلٍ مباشر على حالات الإصابة والموت بسرطان الرئة الناجم عن التدخين، ففي حين أن هذه النسبة انخفضت بين الأمريكيين فقد زادت بين السكان الهنود الأمريكيين حسب الدراسة المنشورة في مجلة الجمعية الأمريكية للصحة العامة في 15 مايو 2014 تحت عنوان: "الموتى من سرطان الرئة بين سكان الهنود وألاسكا الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية".
ثانياً: اتبعتْ شركات التبغ استراتيجيات تسويقية جذابة ومشجعة على التدخين، وبخاصة أن الأراضي التي تتواجد فيها قبائل السكان الأصليين تكون محمية ولها سيادتها، ولا تخضع لأنظمة الضرائب ولا القوانين الخاصة بالسجائر والتدخين عامة، ولذلك قامت شركات التبغ بخفض أسعار السجائر، وإعطاء وتوزيع الكثير من العينات المجانية، وكوبونات الهدايا، إضافة إلى تقديم التبرعات للأنشطة الخيرية، ودعم ورعاية المناسبات والبرامج التي تنظم في هذه المحميات. كذلك قامت شركات التبغ بعمل تحالفات مع هذه القبائل لتسهيل عملية البيع والتوزيع وتلميع صورتها أمام السكان. وقد نشرتْ مجلة "أبحاث النيكوتين والتبغ" في 21 يوليو 2019 دراسة ميدانية تحت عنوان: "استراتيجيات شركات التبغ في التسويق واستهداف الهنود الأمريكيين والسكان الأصليين في ألاسكا"، حيث فضحت هذه الممارسات التي تتبعها هذه الشركات في هذه المناطق المحمية.

ثالثاً: هذه "التكتيكات" والوسائل الشيطانية المبتكرة التي نفذتها شركات التبغ في أراضي السكان الأصليين، فاستغلت فقر وضعف وحاجة الناس من جهة وغياب قانون التبغ والسجائر في هذه المناطق من جهةٍ أخرى، قامت شركة جول للسجائر الإلكترونية بتقليدها وتكرارها وتنفيذها حرفياً في أرض الواقع، ونجحت في ذلك نجاحاً باهراً حيث إن أكثر من 20% من طلاب المدارس في هذه المجتمعات أقبلوا على تدخين هذا النوع الجديد من السجائر في الفترة من 2014 إلى 2017.

رابعاً: أكدت هذه اللجنة الفرعية لمجلس النواب الأمريكي من خلال جلسات الاستماع مع شركة جول بأنها كانت تستهدف فئة الشباب عامة على المستوى القومي، حيث بدأ التحقيق معها في السابع من يونيو 2019 وعقدتْ أول جلسة استماع للشركة حول السجائر الإلكترونية في 24 و 25 عام 2019 للاستماع إلى شهادتهم وأقوالهم حول استراتيجية الشركة في التسويق.  وقد خلصت جلسات الاستماع إلى أن هذه الشركة كانت تستهدف بشكلٍ خاص فئة الأطفال والشباب من خلال العديد من الوسائل، منها التسويق المباشر للأطفال والشباب في المدارس وإلقاء المحاضرات حول السجائر الإلكترونية والادعاء بأنها آمنة وسليمة صحياً، ومنها التركيز على وسائل الاتصال الاجتماعي الجماعي وتكوين شبكة خاصة ضمن وسائل التواصل للنشر السريع وعلى نطاق جغرافي واسع، ومنها أيضاً دعم ورعاية المخيمات الصيفية لطلاب المدارس ونشر المعلومات المضللة وتسويق الادعاءات الزائفة حول السجائر الإلكترونية.

فهذه الشركات الكبرى، مثل منتجو التبغ والسجائر بكافة أنواعها وأشكالها ومسمياتها لا ييأسون أبداً، ولا يصيبهم الفتور والانكسار، فكلما أُغلق عليهم باب فتحوا أبواب كثيرة أخرى ومنافذ ولو ضيقة يدخلون منها، وكلما ضَعفُ تسويق أحد المنتجات القديمة فكروا في منتجٍ إبداعي حديث آخر يعوضهم الخسائر التي تكبدونها من المنتج القديم، وهكذا فالشيطان يجري في دمائهم مجرى الدم ويجدد حيلهم ومكرهم وتضليلهم للناس، فاحذروا منهم دائماً، ولا تثقوا بهم أبداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق