الأحد، 9 فبراير 2020

بين فيروس كورونا وفيروس تلوث البيئة فكلاهما قاتل للبشر



لا أحتاج إلى أن أُذكركم كثيراً وأدخل معكم في تفاصيل هذه الطامة الكبرى والريح الفيروسية العاتية القاتلة التي كانت ضربتها الأولى في مسقط رأس فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، حيث وُلدت هناك وترعرعت في سوقٍ مركزي كبير لبيع الأسماك وكافة أنواع الحيوانات الغريبة والعجيبة المنزلية المستأنسة والأليفة من أبقار وأغنام وكلاب إلى شتى أنواع الأفاعي والخفاش وغيرها الكثير من الحيوانات التي لا نتصور أو نتخيل نحن بيعه في دول الخليج في مثل هذه الأسواق.

فهذا الفيروس الجديد الغامض الذي دوخ العقول البشرية العلمية في معرفة نوعه ومصدره، كثرت حول النظريات، فمنهم من قال بأن قد تسرب من البرنامج الصيني للأسلحة الجرثومية الحيوية، حسب تقرير صحيفة الواشنطن تايمس في 27 يناير، حيث أفاد التقرير عن وجود مختبرٍ متخصص لعلم الفيروسات القاتلة في ووهان وأن هذا المختبر له علاقة وثيقة ببرنامج الصين للحرب الجرثومية الحيوية، ومنها النظرية المنشورة في مجلة علم الفيروسات الطبي في 22 يناير والذي أفاد بأن مصدر الفيروس هو بعض أنواع الأفاعي التي تباع في السوق، ومنها ثعبان الكريت السام(Bungarus multicinctus ) والكوبرا الصيني(Naja atra )، علماً بأن علماء آخرين نشروا بحثاً في مجلة العلمي الأمريكي في 23 يناير وأكدوا على أن المصدر الأولي هو الخفاش، ومنه انتقل إلى الأفاعي والحيوانات الأخرى، وأخيراً إلى الإنسان.

فبعد ولادة هذا الفيروس في مدينة ووهان وتكاثره هناك، أخذ تدريجياً في الانتقال من المستوى المحلي في هذه المدينة إلى المستوى القومي الصيني حيث انتشر في الكثير من المدن الصينية، ولم يشأ هذا الفيروس العقيم أن يستقر فقط في الصين، وإنما ظهر بكل قواه في دول كثيرة بعيدة جداً عن مسقط رأسه، فاكتُشف حتى يومنا هذا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتايلند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورا، وفيتنام، وتايوان، وهونج كونج، والنيبال، والفلبين، وماكاو، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، وإيطاليا، وأستراليا، وكندا، وماليزيا، وألمانيا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، حتى أن الحصيلة الكلية لعدد الحالات حتى كتابة هذه السطور تجاوزت كارثة سارس الصحية في عام 2003 وبلغت 32314 حالة مات منهم 700، مما اضطرت منظمة الصحة العالمية إلى الإعلان في 30 عن حالة "الطوارئ الصحية الدولية"، وقد اعترف الرئيس الصيني بهذه الكارثة المزلزلة صحياً واقتصادياً واجتماعياً قائلاً " إن الشعب الصيني يواجه الآن معركة شرسة والصين ستنتصر في هذه المعركة".

ولذلك فإن هذا الذعر العميق الذي انتشر بين بني البشر واقعي ومشهود، فالناس يسقطون مرضى ويلقون حتفهم في كل ساعة على مستوى المدن الصينية وعلى مستوى دول العالم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يخاف الناس أيضاً ويصابون بالرعب والقلق من مصدر آخر يقتل البشر كما يقتل هذا الفيروس الناس الآن، وهذا المصدر بالتحديد هو التلوث بشكلٍ عام، وتلوث الهواء بشكلٍ خاص من المواد الكيميائية السامة والخطرة؟

ودعوني أن أنقل لكم باختصار شديد ما يفعله التلوث بالناس من الإصابة بالأمراض الحادة والمزمنة والموت الأليم من خلال بعض الكوارث البيئية الصحية التي وقعتْ منذ الأربعينيات من القرن المنصرم ومازالت تنزل علينا حتى يومنا هذا. ففي الفترة من 27 إلى 31 أكتوبر عام 1948 في مدينة دونورا بالقرب من مدينة بتسبرج بولاية بنسلفانيا الأمريكية، حلَّ على المدينة دخان كثيف وضباب أسود قاتم، فحول النهار ليلاً، وانعدمت الرؤية طوال هذه الأيام العصيبة، وأُعلنت حالة الطوارئ الصحية البيئية وبخاصة عندما سقط الناس صرعى يعانون من ضيق التنفس وآلام في الصدر ومتاعب في القلب، فمات أكثر من 26 على الفور ومرض أكثر من نصف سكان المدينة. وفي الأسبوع الأخير من ديسمبر عام 1952 وقعتْ في قلب العاصمة البريطانية لندن مجزرة جماعية بسبب تلوث الهواء الجوي فسقط عشرات الآلاف من الناس، فمنهم من قضى نحبه فوراً، وبلغ عددهم نحو أربعة آلاف شخص خلال أسبوع واحد فقط، ومنهم من أُدخل إلى الطوارئ ليتلقى العلاج من السموم التي استنشقها في الهواء الجوي. ومنذ الأربعينيات من القرن المنصرم وحتى يومنا هذا، ومدينة لوس أنجلوس الأمريكية تعاني من الضباب الضوئي الكيميائي المشبع بسموم عوادم السيارات والذي ينزل عليها بين الحين والآخر، والعاصمة الصينية يُضرب بها المثل منذ عقود من شدة تلوث الهواء الجوي وتعريض الناس للأمراض الحادة والمستعصية. كذلك هناك "مرض ميناماتا" الذي ضرب مدينة ميناماتا والمدن التي تقع حول خليج ميناماتا في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم، ومازال المجتمع الياباني يقاسي من ألم هذا المرض بسبب انتقال عنصر الزئبق المسبب لهذا المرض العضال من جيلٍ إلى آخر، حيث حصد هذا المرض أرواح أكثر من 200 ياباني وأصيب نحو 3000 بالمرض. ومثل هذه الأمراض القاتلة التي لها علاقة بالتعرض للملوثات التي يطلقها الإنسان في بيئته تكررت عدة مرات، منها مرض "إتاي إتاي" نتيجة لصرف الإنسان لعنصر الكادميوم السام في ماء النهر المستخدم لزراعة الأرز.

ومنظمة الصحة العالمية التي تؤكد بأن فيروس كورونا قاتل على المستوى الدولي وأعلنت حالة الطوارئ العامة، هي نفسها التي أعلنت حالة الطوارئ الصحية بسبب تفاقم مشكلة تلوث الهواء على الكرة الأرضية، حيث يعيش أكثر من 90% من سكان الأرض في بيئاتٍ هواؤها ملوث وسام لا يُعين على استدامة حياة الإنسان، كما أن منظمة الصحة العالمية نفسها ممثلة في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان قامت في عام 2015 بتصنيف "الهواء الجوي" بأنه من أسباب الإصابة بالسرطان للإنسان، كذلك فإن مدير عام المنظمة نفسه أعلن بأن تلوث الهواء يُعد "التبغ الجديد" من حيث الأضرار التي يسببها للإنسان، كما يفعل التدخين، وقال: "لا يستطيع أحد، غنياً كان أم فقيراً التهرب من تلوث الهواء أو تجنب التعرض إليه، إنه يسبب حالة طوارئ صامتة بالنسبة للصحة العامة"، وعلاوة على ذلك كله فإن منظمة الصحة العالمية هي نفسها التي أكدت في 27 أكتوبر 2018 بأن تلوث الهواء يقتل قرابة تسعة ملايين إنسان على كوكب الأرض سنوياً.

وبعد كل هذه الحقائق والوقائع أستغربْ من عدم تخوف الناس من التلوث بقدر إصابتهم بالرعب والهلع من سماع إسم فيروس كرونا، كما أستغرب تجاهل الكثير من الحكومات حول العالم لنداء منظمة الصحة العالمية حول تأثيرات التلوث القاتلة للبشر وعدم اتخاذهم للإجراءات المناسبة كما هو الحال بالنسبة لكرونا، فكلاهما قاتل وكلاهما مدمر لصحة الإنسان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق