السبت، 1 فبراير 2020

للمرة السادسة تُعلن منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية الدولية

لم يكن إعلان منظمة الصحة العالمية في 30 يناير لحالة الطوارئ الصحية على المستوى الدولي ضد فيروس كورنا الغامض والجديد(2019-nCoV) بالأمر السهل والقرار البسيط والعابر لما لمثل هذه القرارات من تعقيدات كبيرة دولية، ولما لها من تداعيات عميقة ومتشابكة من الناحية الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ليس على مستوى الدولة التي نزلت بها هذه الكارثة الصحية العقيمة فحسب، وإنما على مستوى كافة دول العالم بدون استثناء، فكأنما سيتحول العالم بعد هذا الإعلان الصحي الاضطراري من حالة الهدوء والراحة والطمأنينة والعمل نحو البناء إلى حالة القلق والترقب والاستعداد التام لمواجهة ما هو قادم لا محالة وما هو مجهول في الوقت نفسه.
 
ففي المرة الأولى عندما اجتمعتْ لجنة الطوارئ في جنيف في 23 يناير، والمشَكَّلة لإدارة هذه الطامة الكبرى ومواجهة هذا الفيروس الصرصر العاتي الذي أخذ في غزو المدن الصينية وبعض دول العالم، لم تكن الحالات قد تفشت في الكثير من دول العالم، وإنما كانت محدودة وقليلة نسبياً، وقررت هذه اللجنة أن عليها التريث وعدم الاستعجال في الإعلان عن حالة الطوارئ على المستوى الدولي، وإعطاء الفرصة الكافية والوقت اللازم للصين وحدها للتحكم في انتشار الفيروس والسيطرة على الحالات المرضية المتفاقمة وعزلها عن التنقل إلى خارج أسوار مدينة ووهان التي ظهر فيها الفيروس الجديد لأول مرة، ولذلك كان قرارها الأخير هو أنها "حالة طوارئ قومية"، أي على مستوى الصين فقط. 

ولكن عندما تجاوزت الحالات التي سقط فيها الناس صرعى ونُقلوا إلى مثواهم الأخير، وارتفعت بدرجةٍ سريعة ومشهودة حالات الإصابة بالمرض في الكثير من المدن الصينية وفي أكثر من 18 دولة في الشرق والغرب وفي منطقة الخليج العربي على حدٍ سواء، فزادت الأعداد عن كارثة مرض فيروس سارس المعروف في عام 2003، حيث وصل العدد الإجمالي لحالات الإصابة بالفيروس الجديد أكثر من 9900 حالة مرضية أكيدة، مات منهم 300، فعند هذه الأرقام الصاعقة والمزلزلة للمجتمع البشري اضطرت منظمة الصحة العالمية وأُجبرت على اتخاذ القرار الصعب والمكْلف اجتماعياً واقتصادياً، والمتمثل في الإعلان عن "حالة الطوارئ الصحية على المستوى الدولي"، أي الإقرار من قبل المنظمة بأن هذا الفيروس الغامض له القدرة على غزو كافة دول العالم بدون استثناء وتخطي وعبور الحدود الجغرافية المصطنعة بين الدول، كما أن لهذا الفيروس القوة الكامنة على إسقاط الضحايا البشرية في أي شبرٍ قريبٍ أو بعيدٍ من مسقط رأسه ومكان ولادته في مدينة ووهان بالصين.
فهذا الإعلان يعني بأن منظمة الصحة العالمية ستُوجه فوراً الدول قاطبة لتنفيذ إجراءات محددة وتدابير عملية على الأرض لمواجهة هذا العدو الغاشم ومنع انتشاره، كما تقوم المنظمة في الوقت نفسه بتقديم الدعم والمساعدة الفنية والتقنية للدول المحتاجة والتي لا تمتلك الإمكانات والبنية التحتية المناسبة واللازمة للتصدي لهذا التهديد الصحي القادم. كما أن هذا الإعلان يدعو الدول إلى رفع حالة التأهب القصوى، ويجبرها على اتخاذ الإجراءات المكلفة والضاغطة على ميزانيات الحكومات الفقيرة أصلاً والتي تعاني من أعباء أخرى متزايدة ضد هذا الغزو الحيوي الأجنبي، كذلك تُحملها مسؤولية وضع خطة سريعة وبرنامج زمني محكم وفاعل للوقاية من هذه الحالة العقيمة، بل وإن هذا الإعلان من منظمة الصحة العالمية يضطر الدول الأعضاء في المنظمة إلى تخصيص ميزانية محددة لمواجهة هذا الفيروس، والتصدي لهذه الحالة المرضية الجماعية.
وجدير بالذكر بأن هذا الإعلان الحالي يُعد الإعلان السادس الذي تضطر فيه منظمة الصحة العالمية للتصريح به على المستوى الدولي منذ أن أدخلت المنظمة في عام 2005 هذا المصطلح في قاموسها وعملها اليومي، والذي عُرف بـ "أنظمة الصحة العالمية". أما الإعلان الأول فقد كان في عام 2009 عندما حلَّ وباء إنفلونزا الخنازير، وهو من نوع فيروس(H1N1) على معظم دول العالم، وأسقط زهاء نصف مليون إنسان ضحية للتعرض لهذا الفيروس، ثم نزلت على العالم طامة كبرى في عام 2014 ومازالت آثارها باقية وبصمتها مستمرة وقوية، وتمثلت في تفشي مرض بوليو(polio) وإِبولا(Ebola) وبخاصة في جمهورية الكونجو الديمقراطية ودول جنوب أفريقيا، ولم تكن سوى فترة قصيرة من الزمن، وبالتحديد في عام 2016 عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن حالة الطوارئ الدولية مرة أخرى لمواجهة فيروس زيكا(Zika) الذي خرج على الناس في دول أمريكا الجنوبية وأوقع الكثير من الضحايا البشرية. وفي الصين، كما هو حالياً، ضرب فيروس كورونا من نوع سَارس acute respiratory syndrome (SARS) وأصاب الناس بمرض رئوي حاد أودى بحياة نحو 800 شخص وحول أكثر من 8000 إلى أقسام الطوارئ للعلاج في 27 دولة، فكانت النسبة النهائية للموتى مقارنة بعدد المصابين قرابة 9.6%.
وفي كل هذه الحالات كانت الفيروسات بعيدة نوعاً ما عن منطقتنا، ودول الخليج العربي خاصة، إلا بعد عام 2012 عندما اكتشف فيروس كورونا من نوع ميرس(MERS) في الأردن ثم في دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وهذا الوباء المميت أُطلق عليه ظاهرة الشرق الأوسط التنفسية(Middle East respiratory syndrome)، وأَدْخل قرابة 800 إنسان إلى مثواهم الأخير ومرض نحو 2500، فكانت نسبة أعداد الموتى أكثر من 34%. 

وربما هذا الكرب الصحي العظيم الذي ينزل حالياً على البشرية سيكون من أقسى الكروب تنكيلاً وأشدها تأثيرها على المجتمع الدولي، فالأرقام الحالية لأعداد الحالات المرضية والذين يسقطون فريسة لهذا المرض في تزايد كل ساعة، والعلماء في سباقٍ ماراثوني مع الزمن لإيجاد المصل الشافي، أو العلاج الكافي لهذه المحنة الجديدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق