هل هناك سلاح يخطر على بالك ولم يستعمله جيش الكيان الصهيوني البربري الهمجي ضد سكان غزة الضعفاء والمعزولين والمحاصرين من الغريب والقريب منذ أكثر من 16 عاماً؟
فقد استخدم الصهاينة اليهود وغير اليهود أحدث أنواع الطائرات الفتاكة لإحداث زلزال أرضي عنيف تحت أقدام الأطفال والنساء والشيوخ من القنابل الفوسفورية المحرمة دولياً والحارقة إلى القنابل العملاقة التي تزن 2000 رطل، والتي في مجملها تعادل القوة التدميرية والتخريبية للقنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على الشعب الياباني في مدينتي هيروشيما وناجازاكي في عام 1945.
كما استخدم الصهاينة الدبابات الأكثر تطوراً وتقدماً وفتكاً، والتي لا تقهر ولا يمكن تدميرها، لإزالة ومسح كل ما يقف أمامها من بنية تحتية خدمية وغير خدمية، ومرافق أساسية ضرورية يعيش عليها سكان غزة البالغ عددهم أكثر من 2.4 مليون نسمة.
وفي الوقت نفسه، ومع فظاعة وهول كل هذه القوة التدميرية الشرسة الواسعة، استخدم الصهاينة أسلحة أخرى لا تقل فتكاً وفساداً لإضعاف الشعب الفلسطيني عامة وكسر معنوياته، وانهاك قواه الجسدية رويداً رويداً، وإضعاف مقاومته وصموده والتفافه حول رجال المقاومة الأشداء، ودفعه تدريجياً نحو رفع العلم الأبيض والاستسلام.
وهذا السلاح هو أيضاً من أسلحة الدمار الشامل والإبادة الجماعية للشعوب، ويتمثل في منع سكان غزة من الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها الإنسان لاستدامة حياته، وحظر ومنع حصول هؤلاء الملايين من الفلسطينيين المختنقين بسبب الحصار لأبسط حقوقهم الإنسانية التي لا حياة كريمة بدونها، ومنها الحق في الحصول على الماء السليم نوعياً وكمياً، والحق في الحصول على الكهرباء لاستمرار حياته. أي أن الصهاينة استخدموا أسلحة التدمير الشامل مرتين، الأولى الأسلحة التقليدية التفجيرية التدميرية ذات التأثير السريع والفوري والمباشر، والثانية أسلحة الدمار الشامل البطيئة والتدريجية للنيل مع الوقت من الجانبين النفسي والجسدي لهذا الشعب المستضعف والفقير.
وفي الحقيقة هذه ليست ادعاءات لا سند لها من الواقع، وليست انطباعات غريبة غير منطقة، وإنما هي ما صرح بها وزير الدفاع الصهيوني السابق "يواف جالانت"( Yoav Gallant) عندما نزلت عليه حالة من الهستيريا الغاضبة بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، فأمر في التاسع من أكتوبر وهو يعيش وضعاً مأساوياً عقيماً لم يشهده من قبل في حياته، ولا في حياة الغزاة المغتصبين من أجداده، بفرض حصارٍ شامل مُحكم وخانق على قطاع غزة من جميع المناحي، حيث قال سيكون الحصار تاماً: "لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود....كل شيء مغلق"، وأضاف قائلاً وهو يموت حسرة وذل: "نحن نقاتل حيوانات ونتصرف وفقاً لذلك". وتنفيذاً لهذه الأوامر المخالفة لكل القوانين الدولية، والتشريعات الإنسانية قام وزير الطاقة بقطع إمدادات المياه فوراً عن شعب غزة، وفي المقابل قام الجيش الصهيوني البربري بهجمات ممنهجة ومتعمدة لا مثيل لها في التاريخ البشري، وقصف وهدم كل ما هو متعلق بالماء، من تحلية، وتخزين، وتوزيع، ونقل، ومحطات معالجة مياه المجاري.
واليوم، وبالتحديد في 19 ديسمبر 2024 وبعد أشهر عجاف ثقيلة وطويلة عاني منها سكان غزة، ومازالت المعاناة مستمرة وشديدة وقاسية، تأتي منظمة دولية حقوقية إنسانية هي "هيومن رايتس واش"(Human Rights Watch) والتي تعتبر أكبر منظمة حقوق إنسان في الولايات المتحدة الأمريكية، في التأكيد على أن ما يدور في غزة يمثل حربْ استئصالية شاملة، وأعمال إبادة جماعية للبشر باستخدام سلاح "المياه" ذي التدمير الجماعي الشامل للنفس والجسد البشري.
وهذا التقرير الحقوقي الإنساني المكون من 184 صفحة جاء تحت عنوان: "الإبادة وأعمال الإبادة الجماعية"، ويغطي الفترة الزمنية من أكتوبر 2023 إلى سبتمبر 2024. وقد أكد التقرير ولأول مرة رسمياً بأن الكيان الصهيوني ارتكب ممارسات وأعمال عدائية متعمدة وممنهجة باستخدام المياه كسلاح قاتل ضد سكان غزة وتعريضهم للإبادة الجماعية الشمالية، حيث تمثل في قطع امدادات الماء الصالح للشرب عن سكان قطاع غزة، أو في الأقل خفض حجم المياه التي تصل إلى القطاع بكميات أقل من التي يحتاج إليها الإنسان في اليوم والليلة، حسب منظمة الصحة العالمية. ومثل هذه الأعمال تعد جريمة ضد الإنسانية، وإبادة جماعية شاملة للبشر. وقد توصلت المنظمة إلى هذه النتيجة الحاسمة عندما قام الكيان بعدة هجمات متعمدة على المرافق الخدمية الضرورية لحياة سكان غزة، وعلى البنية التحتية الخاصة بإنتاج المياه، وتصفيتها، وتنقيتها، وتوزيعها، إضافة إلى تدمير خزانات وأنابيب نقل المياه ومحطات التحلية ومعالجة مياه المجاري، مما اضطر سكان غزة إلى شرب المياه من مصادر ملوثة غير صالحة للاستهلاك الآدمي، ونجم عن هذا الحرمان من مياه الشرب النظيفة والصحية وعدم وجود معالجة لمياه المجاري، إصابة الكبار، وبخاصة الأطفال بأمراض معدية وقاتلة كالإسهال ومرض شلل الأطفال الذي تم الكشف عنه كأول حالة في 16 أغسطس 2024.
وتزامناً مع هذا التقرير حول استخدام الماء كسلاح وأداة قاتلة للإبادة الجماعية، نشرت منظمة "أطباء بلا الحدود"(Medecine Sans Frontieres) تقريراً تحت عنوان: "غزة: الحياة في فخ الموت" حول الأوضاع في غزة في 19 ديسمبر 2024. وقد أكد التقرير على أن هناك: "مؤشرات واضحة بارتكاب إسرائيل لأعمال التطهير العرقي"، كما قالت المنظمة بأن أطباءنا المتطوعين في غزة شاهدوا أمام أعينهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من أعمال وممارسات الإبادة الجماعية، كظروف الحياة غير الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني، وإجبار السكان بالقوة للنزوح من مناطقهم ثم قصفهم بالطائرات، علاوة على الجروح الجسدية، والعقلية، والنفسية التي يقاسون منها ولعقود طويلة قادمة.
كذلك نُشر تقرير "منظمة العفو الدولية" في 4 ديسمبر 2024، والمكون من 296 صفحة، حيث أفاد التقرير بأن سكان غزة، أي 2.4 مليون إنسان قد تعرضوا لأشد وأقسى أنواع العذاب الجسدي، والنفسي، والعقلي، حيث ارتكب الجيش الصهيوني أعمالاً تخالف القوانين والمعاهدات الدولية، وتتمثل في القتل الجماعي الشامل لسكان غزة باستخدام جميع أنواع الأسلحة، وهدم مرافق الخدمات الضرورية للإنسان بطريقة متعمدة وشاملة للكهرباء، والماء، والمستشفيات، والمساجد، ومعالجة المجاري، وكل هذه الممارسات تمثل إبادة جماعية للبشر، والشجر، والحجر.
وبعد كل هذه التقارير والاعترافات الأممية التي أَجمعتْ على قيام الكيان الصهيوني باستخدام جميع أدوات القتل الجماعي، ووصفتها بأنها جرائم حرب وضد الإنسانية، وأن هذا الكيان المعتدي قد ارتكب إبادة جماعية شاملة لسكان غزة. فبعد كل هذا، ما هو مصير هذه التقارير؟ وهل توجد جهة دولية ذات نفوذ وسلطة قوية ستحاسب وتعاقب هذا الكيان الصهيوني، وكل من قام بارتكاب هذه الجرائم البشعة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق