الأحد، 13 مايو 2012

تداعيات كارثة فوكاشيما حاضرة


منذ أن نزلت على اليابان الطامة الكبرى التي أثرت على المجتمع الياباني برمته ظهر يوم الجمعة 11 مارس 2011، وأنا في متابعةٍ حثيثة ومستمرة لتداعيات هذه الكارثة البيئية الصحية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، فأقوم بالإطلاع على كل الأبحاث والتقارير التي تنشر حول هذه الكارثة.

فقد بدأت هذه الكارثة أولاً بزلزالٍ عنيف وهزةٍ قوية، ثم بعد أقل من نصف الساعة جاءت الضربة القاضية التي تمثلت في السونامي التي أوقعت اليابان أرضاً لشدتها وهول حجمها، ولكن لم تكن هذه الضربة القاضية نهاية الجولة، حيث بدأت المفاعلات النووية الموجودة في مجمعين لتوليد الكهرباء في مقاطعة فوكاشيما، وبالتحديد في مجمع دايشي النووي من الانفجار واحدة تلو الأخرى وانبعاث الملوثات المشعة إلى الهواء الجوي أولاً، ثم إلى التربة ومنها إلى المياه الجوفية، وأخيراً انتقلت هذه السموم المشعة إلى مياه البحر.  

والآن وبعد مرور أكثر من عامٍ واحد على وقوع هذه الكارثة، وبعد أن توقفت التسربات المشعة المباشرة من المفاعلات المحترقة، هل انتهت تداعياتها على الإنسان والبيئة؟ وهل انتهت هذه الملوثات من البيئة وذهبت أضرارها؟

إن الأبحاث والتقارير العلمية والحكومية تؤكد على أن هذه الكارثة ستبقى أبد الدهر، وتأثيراتها السلبية باقية ليست في اليابان فحسب وإنما في بعض دول العالم التي تضررت بشكل مباشر أو غير مباشر من الملوثات المشعة التي دخلت في مكونات البيئة من ماءٍ وهواءٍ وتربة وحياة فطرية في البر والبحر.

 ففي 24 أبريل 2012 قدَّم وزير التجارة الياباني يوكيو إدانو شرحاً مفصلاً للتقرير الحكومي الذي نُشر في ذلك اليوم حول تركيز الإشعاع في الهواء الجوي في بعض مناطق اليابان، حيث يقدم هذا التقرير التقديرات والتنبؤات العلمية عن تركيز الإشعاع من عام 2012 إلى مارس 2032، وذلك بناءً على قياسات فعلية أخذت في نوفمبر 2011. 

فقد أفاد الوزير الياباني بأن تركيز الإشعاع سيكون مرتفعاً في بعض المدن في مقاطعة فوكاشيما مثل فيوتابا، وأوكيوما حتى بعد عشر سنوات من الآن، وسيصل إلى نسبةٍ خطرة تقدر بأكثر من 50 ميلي سيفرتس في السنة.

وعلاوة على هذا التقرير فقد أكدت القياسات المخبرية التي قامت بها وزارة الصحة والعمل والرعاية اليابانية في الثاني من مايو من العام الجاري، أي قبل أيام فقط، في عينات من المواد الغذائية كالخضروات واللحوم والأسماك المأخوذة من تسع مقاطعات، أن تركيز السيزيم المشع في الكثير من العينات الغذائية كان مرتفعاً وأعلى من المواصفات اليابانية للتركيز المسموح به للمواد المشعة في الغذاء.

كذلك في فبراير 2012 أكدت الأبحاث الحكومية ارتفاع تركيز السيزيوم المشع في الديدان التي تعيش تحت التربة، حيث بلغ 20 ألف بيكرل من السيزيوم المشع في الكيلوجرام من التربة، ومن المعروف أن بعض الطيور والحيوانات البرية تتغذى على هذه الديدان والتي يتغذى عليها الإنسان، مما يؤكد أن الإشعاع أصبح جزءاً من السلسلة الغذائية التي تنتهي بالإنسان، أي أن أجسامنا حتماً قد تسممت بالملوثات المشعة دون أن نعلم.

وهذه التقارير التي ذكرتها هنا ما هي إلا أمثلة معدودة من المئات من الأبحاث والتقارير التي تنشر في اليابان وخارج اليابان، وجميعها تؤكد على أن بيئة اليابان قد تسممت بالإشعاع، وأن الإنسان الياباني يتعرض بشكل مباشر من خلال الهواء والماء للملوثات المشعة، وبشكلٍ غير مباشر من المنتجات الغذائية النباتية أو الحيوانية التي يأكلها، أو المنتجات غير الغذائية التي يستخدمها بشكلٍ يومي.

وفي المقابل أيضاً فإن الناس في خارج اليابان يتعرضون إلى حدٍ سواء إلى الملوثات المشعة التي انبعثت قبل أكثر من سنة واحدة، فهناك الكثير من المنتجات اليابانية الغذائية النباتية والحيوانية، إضافة إلى المنتجات غير الغذائية التي وصلت إلى دول العالم، فبعضها تم الكشف عنها وتمت مصادرتها كما حدث بالنسبة للأسماك المشعة التي وصلت إلى كوريا الجنوبية في 9 مارس 2012، ولكنني على يقين بأن هناك الكثير من هذه المنتجات المشعة التي دخلت، ومازالت تدخل في مكاتبنا، ومنازلنا، ومصانعنا، وبطوننا ونحن لا نعلم عنها شيئاً ولا نحس بوجودها معنا.

فالكارثة اليابانية انتهت، ولكن مردوداتها على الإنسان وبيئته وعلى الكرة الأرضية برمتها ستبقى إلى ما شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق