السبت، 19 مايو 2012

أين يقع أكبر موقع للمخلفات؟


عندما أكتب عن أكبر موقع للمخلفات الصلبة والقمامة، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو المناطق التي يتم فيها التخلص من القمامة المنزلية في البر أو على اليابسة، أو ما نطلق عليه الآن بمواقع الدفن الصحي.

ولكن اليوم أكدت الدراسات أن أكبر موقع توجد به مخلفات صلبة، وجميع أنواع القمامة الصغيرة منها والكبيرة، والثقيلة منها والخفيفة، هو في عرض البحر، وبالتحديد في قلب المحيط الهادئ في المساحة الواقعة بين غرب قارة أمريكا من جهة وآسيا وأستراليا من جهةٍ أخرى، حتى أن مساحته الآن وصلت إلى قرابة 700 ألف كيلومتر مربع وبعمق قرابة عشرة أمتار تحت سطح المحيط، أي أكبر من مساحة البحرين بنحو 970 مرة، ويحمل في بطنه أكثر من خمسة ملايين طنٍ من كل أنواع المخلفات الطافية فوق سطح البحر أو في عمود الماء، والتي قد تخطر أو لا تخطر على قلب أحد.

هذه المساحة العظيمة التي تَجَمعَ فيها المخلفات في المحيط الهادئ أُطلقُ عليها“المدفن البحري”، ويطلق عليها العلماء عادةً بقعة القمامة العظيمة(Great Pacific Garbage Patch)، وهذا المدفن البحري الكبير تم اكتشاف ما يقارب له في المساحة والحجم في المحيط الأطلسي بين برمودا وجزر أزورس البرتغالية حسب نتائج الدراسة المنشورة في 8 مايو 2012 في مجلة بريطانية هي “رسائل علم الأحياء”.

فقد أكدت هذه الدراسة الاستكشافية التي قامت بزيارات ميدانية إلى هذه المدافن البحرية الشاسعة، أن هذه الملايين من الأطنان من المخلفات الصلبة وشبه الصلبة، بدأت تُحدث تغيرات جذرية في النظام البيئي البحري في تلك المناطق، وبدأت الحياة الفطرية البحرية الصغيرة منها والكبيرة تتأثر بشكلٍ مشهود وملموس.

وهذه التأثيرات ستتفاقم وتتعمق مع الزمن، حيث إن كمية هذه المخلفات في تزايد مستمر مع الوقت، فهي أصبحت الآن تحت رحمة الرياح والتيارات المائية الدوْريَّة الطبيعية في المحيط الهادئ، وكأنها دخلت في سجنٍ كبيرٍ مُغلق الأبواب، ولا يمكن الخروج منه، أو كأنها دخلت في حظيرة أو “قرقور” لصيد الأسماك فلا تستطيع الخروج منها. فهناك حركة دورية ثابتة للتيارات المائية في وسط وشمال المحيط، تَدُور تارةً مع اتجاه عقرب الساعة، وتارة أخرى تسير ضد اتجاه عقرب الساعة، وهذه التيارات يُطلق عليها بالتيارات الشمالية للمحيط الهادئ. فهذه المخلفات التي تأتي من السواحل ومن سفن الصيد والسفن التجارية تأخذ طريقاً واحداً لا رجعة فيه، وهذا الطريق هو دخولها في هذه الدائرة المغلقة لمدفن القمامة والتراكم فيها مع الوقت، وكأنها دُفنت هناك وانتقلت إلى مثواها الأخير.

ومن التأثيرات السلبية التي بدأت تنكشف منذ سنوات هي التهام الأسماك والكائنات البحرية الأخرى كالسلاحف والطيور المائية للمخلفات البلاستيكية الصغيرة التي تتراكم مع الوقت في أجسامها فتؤدي إلى هلاكها فوراً، أو بعد فترة قصيرة من الزمن. 

كما كشفت دراسة نُشرت مؤخراً عن حقيقة جديدة حول سلوك هذه المخلفات، حيث أفادت أن المخلفات البلاستيكية الصغيرة الحجم الموجودة في هذه المقابر الجماعية للمخلفات تعمل كالإسفنج على امتصاص المواد الكيميائية السامة التي تُصرف في البيئة البحرية، وبخاصة المركبات العضوية الثابتة والمستقرة، فتتراكم هذه السموم مع الزمن في هذه المخلفات ويزيد تركيزها، وعندما تتغذى عليها الأسماك، ثم الإنسان، تَكُون قد وصلت إلى تركيزٍ عالٍ يهدد صحة وسلامة الكائنات البحرية والإنسان إلى حدٍ سواء. 
 
وبالرغم من ارتفاع حدة المشكلة التي اكتشفها الإنسان عام 1997، وتزايد خطورتها مع الزمن إلا أن المجتمع الدولي الرسمي، ممثلاً في منظمات الأمم المتحدة، أو الدول التي يقع بجوارها هذا المدفن البحري العظيم، لم تقدم حلولاً عملية للتخلص من مقبرة المخلفات هذه، ولم تخصص أموالاً لمعالجتها، ولذلك ستتفاقم المشكلة، وتتراكم المخلفات البحرية حتى تغطي كل بحار العالم فتقضي على الحياة الفطرية فيها.

  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق