الخميس، 1 أغسطس 2013

المأساة البشرية في المدرسة الهندية



ذهب التلاميذ الهنود كعادتهم في كل يوم إلى المدرسة مستقبلين يوماً جديداً سعيدين بما سيتعلمونه في ذلك اليوم من أجل غدٍ مشرق وحياة رغيدة ومستقبلٍ زاهر، ولكن كل هذه الآمال المعقودة، والأحلام المترقبة تبخرت في لحظة واحدة سريعة، وذهبت هباءً منثورة، وكأنها لم تك شيئاً.

فهؤلاء التلاميذ الفقراء المعدمين في المدارس الريفية البعيدة عن المدنية يتناولون وجبات الغذاء المجانية في المدرسة لعدم قدرة أسرهم على توفير الأكل لأطفالهم، وفي ذلك اليوم المشؤوم المأساوي، يوم 16 يوليو، كانت وجبة الغذاء تلك في هذه المدرسة الابتدائية المكونة من الرز ومرق البطاطس هي الأخيرة لأكثر من 23 تلميذاً تتراوح أعمارهم بين 5 و 12 عاماً، فما أن وضع هؤلاء التلاميذ الأبرياء اللقمة الأولى في أفواههم، ونزل إلى بطونهم، وبعد دقائق معدودات وإذا بهم يتقيؤون فيخرج كل ما أكلوه، ويصرخون بأعلى صوتهم ويصيحون من شدة الألم الذي أصابهم وكأن أحداً طعنهم فجأة في بطونهم، ثم بعد هذا المشهد المرعب بثواني فقط يصابون بالدوار والغثيان وفقدان الوعي، فيسقطون صرعى لا حراك لهم، فلا يعلم أحد ماذا حدث لهم، وماذا أصابهم فجأة واحدة، ودون سابق تحذيرٍ أو إنذار.

هنا وقف المسؤولون أمام هذا المنظر الكارثي الحزين مندهشين مصدومين لا يعلمون ماذا يفعلون، فلم يروا مثل هذا المشهد الدرامي المأساوي من قبل في حياتهم. فذهب أحدهم بعد أن أفاق من ذهوله ودهشته مسرعاً إلى الهاتف ليتصل بالإسعاف لينقل الموتى والجرحى والمصابين من أرض المعركة إلى المراكز الصحية في القرية. وعندها بدأ الخبر ينتشر كانتشار النار في الهشيم في كل أرجاء هذه القرية الصغيرة، فجاء أولياء الأمور يجرون إلى المدرسة وعلامات الهلع والخوف تظهر على وجوههم، والحزن العميق يأكل نفوسهم، فكل ولي أمر دخل إلى فناء المدرسة وقاعة الطعام ليبحث عن ابنه ويتوسل إلى الله على أن لا يكون ابنه من بين الصرعى الذي سقطوا في أرض المدرسة، ولكن منهم من حمل ابنه على يديه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ليودع هذه الحياة الدنيا، ومنهم من حمل ابنه مسرعاً إلى مستشفى الحي لعل الله جلت قدرته أن يرد إليه روحه من جديد.

فهذه الطامة الكبرى نزلت على سكان هذه القرية الوديعة كالزلزال المدمر الذي يهدم النفوس والأرواح والممتلكات، فلم يتخيل أهل هذه القرية قط أن يواجهوا هذا المصير الصعب لفلذة أكبادهم.

وكل هذه المأساة البشرية وقعت في ولاية بيهار(Bihar) شمال الهند وهي من أفقر الولايات، وبالتحديد في قرية جاندامال (Gandamal village)، وذلك بسبب إهمالٍ بسيط، ونتيجة لخطأ بشري من قبل طباخة المدرسة كان يمكن تجنبه أثناء إعدادها للطعام، فقد استخدمت هذه المرأة زيت الخروع الملوث بالمبيدات الحشرية في عمل وجبة ذلك اليوم، بالرغم من أن الزيت كان لونه متغيراً ورائحته غريبة وعفنة، وجدير بالذكر أنها نفسها ذهبت ضحية لجهلها، وسوء عملها، فسقطت مريضة مع باقي التلاميذ تنتظر نحبها.

فهذا المبيد الذي يُطلق عليه مونوكروتوفوس (monocrotophos) هو نوع من أنواع  المركبات العضوية الفوسفورية ويستخدم في الزراعة على نطاقٍ واسع، ويعتبر من المبيدات الشديدة السمية للإنسان، ولذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمنع استعماله، ولكن مع الأسف مازال يستخدم في الهند، فكانت النتيجة الحتمية أن وصل هذا المبيد في نهاية المطاف إلى الإنسان نفسه فقتله قبل أن يقتل الحيوان والحشرات السامة والمسببة للأمراض.

فهذه المأساة الإنسانية التي أخذت أراوح أطفال أبرياء لا ذنب لهم ولا حول ولا قوة لهم، كان بسبب سوء إدارة الإنسان للمواد الكيميائية السامة التي نستخدمها بشكلٍ يومي في منازلنا ومكاتبنا ومزارعنا، وفي هذه الحالة كان استخدام المبيدات الحشرية بإسرافٍ وإفراطٍ شديدين وسوء التعامل معها وإدارتها بشكلٍ سليم هما السبب وراء سقوط الضحايا والبشرية، مما يحتم علينا النظر بجدية أكثر إلى مثل هذه الملوثات والمواد الكيميائية السامة واستعمالها بقدرٍ محدود، وبكمياتٍ قليلة، وعلى نطاقٍ ضيقٍ جداً، وعند الحاجة الماسة لها فقط، بحيث نجنب الإنسان التعرض لها بأي شكلٍ من الأشكال، حتى نقتل الحشرات وليس الإنسان.     


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق