السبت، 24 أغسطس 2013

العنف



تصور وأنت في منزلك مساءً تحاول أن ترتاح قليلاً فتأخذ قسطاً من النوم بعد يومٍ شاقٍ وطويل من الشغل والعمل في الأجواء الحارة، وإذا بالكهرباء تنطفئ فجأة واحدة، فلا مُكيف يبرد عليك جسمك، ولا إنارة تنير لك الطريق، فتحاول جاهداً وأنت تتلمس طريقك في هذا الظلام الكالح لتعرف موقع الخلل وتكشف أسباب انطفاء الكهرباء فتصلح العطل الموجود، فعندها تأخذ حذرك في كل خطوة تخطوها يميناً أو يساراً، إلى الأمام أو إلى الخلف مخافة أن تقع على الأرض فتصاب بجروحٍ أو كسور. وأنت في هذه الحالة العصيبة والمربكة تبدأ درجة حرارة الجو في المنزل بالارتفاع رويداً رويداً، ومع هذا الارتفاع لدرجة حرارة المنزل ومع طول فترة الانقطاع للكهرباء، ترتفع معها درجة حرارة جسمك وأعصابك، وسرعان ما تبدأ بالغضب وفقدان التحكم في تصرفاتك، وقد يستفزك أو يثيرك أي أمرٍ بسيط وتافه فتميل نحو التوتر والعنف والقيام بسلوكيات وأعمال غير حكيمة وطائشة لا تفكر في عواقبها المستقبلية.

هذه الحالة الفردية البسيطة كانت موضوع دراسة شاملة أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية من فريقٍ بحثي متعدد التخصصات من جامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة برستون الشهيرة، ونُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة علمية مرموقة هي مجلة العلوم الأمريكية(Science) في الثاني من أغسطس تحت عنوان:دراسة كمية لتأثيرات التغير المناخي على النزاعات البشرية”. ونظراً لأهمية موضوع هذه الدراسة المتعلق بالجانب الأمني للأفراد واستقرار الشعوب والدول، فقد نقلتها كل وسائل الإعلام الشرقية والغربية واهتمت كثيراً في تغطيتها، ووضعتها في صدر صفحاتها الأولى.

فهذه الدراسة حاولت معرفة العلاقة بين ارتفاع درجة الحرارة، أو ما نُطلق عليه الآن بظاهرة التغير المناخي وقيام الأفراد والجماعات بأعمال العنف والشغب. وبالتحديد طَرَحَتْ الأسئلة التالية: هل التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض له علاقة بسلوك الإنسان وتصرفاته مع أخيه الإنسان في المجتمع، بحيث إنه مع زيادة حرارة الجو، يزيد ميله نحو العنف والصراعات؟ وهل سخونة الهواء وحرارتها لها علاقة بارتكاب أعمال إجرامية وعنيفة ووقوع نزاعات مسلحة على كافة المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية؟

وجاءت نتائج الدراسة واضحة لا لَبْس ولا غموض فيها، حيث أكدت على أن هناك علاقة مباشرة بين التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض ونشوب واندلاع أعمال العنف ووقوع الصراعات المسلحة، كما أفادت أن التغير المناخي خطر حقيقي يهدد الأمن والسلم على المستويين القومي والدولي، أي أن التغير المناخي يُعد وقوداً يُشعل فتيل العنف والنزاعات المسلحة على كافة المستويات. وبالتحديد فإن ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية من درجتين إلى أربع درجات بحلول عام 2050 أي خلال الـ 37 سنة القادمة،  يزيد من احتمال النزاعات بين المجموعات الكبيرة بنسبةٍ تتراوح بين 28% إلى 56%، وبين الأفراد والمجموعات الصغيرة في المجتمع الواحد بنسبة تتراوح بين 8% إلى 16%، ومن أكثر الدول تأثراً بالتغير المناخي هي الدول الحارة والتي ترتفع درجة حرارتها في الأيام والظروف الطبيعية العادية، كالدول الاستوائية ودول الخليج.

 وجدير بالذكر أن علاقة التغير المناخي بالعنف أو الأمن والاستقرار حظت باهتمام عدة معاهد بحثية أمريكية متخصصة في مجال التغير المناخي والبيئة والقضايا الأمنية الدولية، منها مركز التنمية الأمريكي(Center for American Progress)، ومركز المناخ والأمن(Center for Climate & Security)، ومركز ستيمسون(Stimson Center)، حيث عقدت مؤتمراً متخصصاً في مارس من العام الجاري لمناقشة قضيةٍ محددة هي علاقة أعمال العنف وثورات الربيع العربي بالتغير المناخي، وأكد المجتمعون على وجود علاقةٍ وطيدة بين الانتفاضات الشعبية في العالم العربي والتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، أي أنهم استنتجوا أن التغير المناخي قضية أمنية، وليست بيئية ومناخية فحسب، وأن حدوث التغير المناخي يُسهم في أعمال العنف وزعزعة الأمن وتدهور الاستقرار.

وهذه الاستنتاجات التي تمخضت عن هذه الأبحاث تؤكد أهمية منع انبعاث الملوثات المتهمة بالتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وفي مقدمتها ثاني أكسيد الكربون والميثان، حتى نُبعد عن بلادنا كل العوامل التي تسهم في وقوع أعمال العنف والشغب، وننعم بالأمن والأمان في بلادنا.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق