الأحد، 11 أغسطس 2013

"الفراكينج": كلمة السر في مجال الطاقة



ربما سمعتَ أو قرأت هذه الأيام عن الاعتصامات والمظاهرات التي خرجت في بعض المدن الأوروبية والأمريكية، وكان آخرها المظاهرة التي خرجت في مدينة بالكومب(Balcombe) البريطانية في الثاني من أغسطس بهدف رفض المتظاهرين لقيام السلطات بعملية الحفر عن الغاز الطبيعي والبترول في تلك المنطقة.

وهذه المظاهرة ومثيلاتها من المظاهرات لا تعترض على استخراج الغاز الطبيعي أو البترول من باطن الأرض، وإنما تعترض على التقنية والطريقة الجديدة المستخدمة في عملية الحفر والتنقيب، وهي تُعرف بتقنية الحفر الأفقي وشق وكسر الصخور، وبالتحديد صخور الشيل أو طبقة الشيل(shale rock) الموجودة تحت الأرض باستخدام محلول مائي(hydraulic fracturing)، وباختصار تُعرف هذه الطريقة في الحفر بـ الفراكينج( fracking).

وهذه المظاهرات انتقلت الآن إلى أروقة البرلمانات ومجالس النواب، ودارت حواراتٍ معمقة بين رجال السياسة والبيئة والطاقة بين مؤيدٍ ومعارض، فرئيس حزب الديمقراطيين الأحرار في بريطانيا حَذَّر في الثالث من أغسطس من أن هذه العملية ستدمر البيئات الريفية لعشرات السنين، في حين أن وزير المالية جورج أوزبورن دافع عن عملية الفراكينج ووجه رسالة قوية في الخامس من أغسطس قائلاً إنه من ”الخطأ الفادح أن تُفَوِّتَ بريطانيا فرصة الثورة في الغاز الصخري والوظائف التي يكونها للمجتمع“.

فهذه التقنية الجديدة خلقت ثورة عارمة وواسعة النطاق في مجال الطاقة، وتتمثل في استخراج البترول والغاز الطبيعي المحبوس في أعماق سحيقة في بطن الأرض تصل إلى ثلاثة كيلومترات بتقنية الحفر الأفقي تحت الأرض وباستخدام محلول مائي تحت ضغطٍ عالٍ جداً يحتوي على الماء والرمل وعددٍ كبيرٍ من المواد الكيميائية السرية التي لم يتم الكشف عنها حتى الآن، ولذلك فإن هذه الطريقة الحديثة خلقت معارضة قوية من الناحيتين البيئية ومن ناحية الأمن والسلامة.

أما من الناحية البيئية فإن التحفظات على هذه الطريقة يمكن إيجازها في النقاط التالية. فالنقطة الأولى هي تسرب الغاز الطبيعي أو الميثان من شقوق الصخور إلى الهواء الجوي، والتسبب في تلويث الهواء وتعميق مشكلة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث إن الميثان يعتبر من الغازات المتهمة في ارتفاع سخونة الأرض. كما أن الغاز في بعض الحالات قد يتسرب إلى طبقات المياه الجوفية فيصل في نهاية المطاف إلى مياه الشرب، فيشرب الناس مياهاً ملوثة بالميثان والملوثات الأخرى الموجودة في الغاز الطبيعي. وهناك دراسات أكدت على هذه الحقيقة، منها دراسة منشورة في يونيو من العام الجاري في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، حيث أكدت على وجود الميثان وملوثات أخرى في مياه الشرب بسبب عمليات الحفر في تلك المنطقة، وبالتحديد في تكوين صخور مارسيلس الجوفية(Marcellus Formation) الذي يقع تحت ولاية نيويورك وبنسلفانيا وغرب فيرجينيا وأوهايو، كما أكدت الدراسة على أنه كلما تم الاقتراب من آبار الحفر، زاد تركيز هذه الملوثات. والنقطة الثانية المتعلقة بالجانب البيئي لتقنية الفراكينج هي ملايين الجالونات من المخلفات السائلة الناجمة عن الحفر، حيث إنها تكون بأحجام ضخمة جداً ومن الضروري منعها من الوصول إلى المياه الجوفية، أو السماح لها بتلويث التربة والمياه السطحية. والنقطة الثالثة فهي أن عمليات الحفر والتنقيب واستخراج الغاز أو النفط تدمر وتهلك البيئة الطبيعية والحياة الفطرية الموجودة في تلك المنطقة.

والجانب الأمني فهو حدوث الزلازل في مناطق الحفر، وهناك دراسات ومشاهدات عملية أكدت على ذلك، منها الزلازل التي وقعت في مدينة بلاكبول(Blackpool) الساحلية البريطانية في شهري أبريل ومايو 2011.    كذلك كشفت دراسة منشورة في مجلة العلم(Science) الأمريكية في مايو من العام الجاري أن معدل وقوع الزلازل في أمريكا له علاقة مباشرة بعمليات الحفر، حيث إن المعدل ارتفع بشكل ملحوظ مع بدء العمليات في مناطق شرق ووسط أمريكا.

وبالرغم من هذه التحفظات والسلبيات المصاحبة لعملية الشق الصخري لاستخراج الغاز الطبيعي والنفط، إلا أن الحكومات لا تُعير هذه السلبيات أي اهتمامٍ ملحوظ، فكل الدول، وبخاصة الدول الغربية والصين والهند متعطشة لأي مصدرٍ للطاقة، وتلهث وراء أي مصدرٍ للطاقة يوجد محلياً، ولذلك لن تتوانى، أو تتردد في استخراجه حتى ولو كان على حساب الأمن البيئي، فتحقيق أمن الطاقة في الدول فوق كل اعتبار، ويحظى بالأولوية في البرامج الحكومية، فالطاقة هي عصب التنمية وتحقيق الازدهار المعيشي والنمو الاقتصادي، وهو أساس تثبيت ودعم الاستقرار السياسي والأمني القومي.

ولذلك نجد الآن أن كل دول العالم تَجري سريعاً لكسب سباق استخراج الغاز والنفط الصخري باستخدام عملية الفراكينج“، فهي تفتح الباب على مصراعيه لتنمية اقتصادية كبيرة ومستدامة تحتاج إليها الدول بعد أن عانت سنواتٍ عِجاف من الكساد والركود وشل عجلة التنمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق