الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

كائن ضعيف يرعب الإنسان



كائنٌ هلامي ضعيف وصغير الحجم تتقاذفه الأمواج والتيارات المائية البحرية يميناً تارة وشمالاً تارة أخرى، فيتحرك من مكانٍ إلى آخر، وينتقل من منطقةٍ إلى أخرى، لا حول له ولا قوة، يكاد يكون عديم الوزن ولا عظام له في جسمه ولا أعضاء، وبالرغم من ذلك كله إذا ظهر في منطقة بحرية، وبخاصة على السواحل، تُرفع الأعلام الحمراء، ويدق جرس الإنذار على هذه السواحل محذراً الناس من البقاء في البحر، ومنبهاً لهم إلى الخروج الفوري من الماء، كما إن هذا الكائن الهزيل البسيط عندما يظهر يرعب رجال الأعمال ورجال المال والاقتصاد والسياحة ويصابون بالفزع والهلع لأن مصالحهم كلها تتضرر وتجارتهم تخسر وتَبُور، فمع عزوف السواح عن السباحة في البحر وعدم تمكنهم من الاستمتاع بالماء، فإنهم يضطرون إلى الذهاب إلى أماكن أخرى، فيخسر أصحاب المطاعم والفنادق والمحلات التجارية الموجودة على السواحل خسارة كبيرة تبلغ ملايين الدنانير.

وعلاوة على ذلك فإن انكشاف هذا الكائن الحي يسبب صداعاً حاداً وقلقاً شديداً للشركات الصناعية، ومن بينها محطات تحلية المياه التي تعتمد على مياه البحر للتبريد أو التحلية، فتتجمع هذه الكائنات مع بعض وتسد أنابيب مياه البحر الداخلة إلى المصنع، مما يؤدي إلى تعطيل عمل الأجهزة والمعدات وشل حركة المصنع برمته.

هذا الكائن الضعيف هو قنديل البحر أو الجلي فيش، وفي الحقيقة فإن هذا الكائن ليس بالغريب على بيئتنا وعلى مياه الخليج العربي، فقد وردت أخباره مؤخراً في صحافتنا المحلية، وقبل سنوات سبب مشكلات مزمنة لمحطة سترة لتوليد الكهرباء والماء عندما قام بسد فتحات أنابيب سحب مياه البحر إلى المحطة لتحليتها.

ولذلك فإن الأزمات البيئية والصحية والاقتصادية التي يسببها قنديل البحر عندما تَحدُث طفرة شديدة في أعداده، ليست محلية تنكشف في مياه الخليج أو في بعض سواحل الدول، وإنما أصبحت ظاهرة عالمية يشاهدها الناس في معظم بحار العالم، وتهدد البيئة والصحة والاقتصاد، فهذه الظاهرة بدأت في السنوات القليلة الماضية في التوسع والانتشار فغطت أكثر البحار والمحيطات، وقد نشرت مجلة الشبيجل الألمانية مقالاً في 11 يوليو تحت عنوان:وحوش الأعماق: قناديل البحر تهدد بحار العالم، تؤكد فيه المخاطر التي تنجم عن هذا الكائن الحي.

فهذا الكائن الحي خلقه الله سبحانه وتعالى بِقَدرٍ واعتدال، وله واجب يقوم به، ووظيفة محددة، ودور مشهود ضمن النظام البيئي البحري، حيث يتغذى عليه أكثر من 150 نوعاً من الأسماك والسلاحف، ولكن نتيجة لتلاعب الإنسان في بيئته، والعبث فيها، وإدخال يديه دون علم أو سلطان، أحدث خللاً في التوازن البيئي، وكون شرخاً واسعاً في النظام البيئي البحري.

فالإنسان هو الذي قام بالصيد الجائر والمفرط للأسماك في كل بحار العالم، وهذه الأسماك كانت تتغذى على قناديل البحر من ضمن السلسلة الغذائية فتقوم بإحداثٍ توازنٍ دقيقٍ في أعدادها وتمنع تكاثرها ونموها بأعدادٍ كبيرة تضر بالكائنات البحرية الأخرى وبالإنسان نفسه، فعندما انخفضت أعداد هذه الأسماك تكاثرت في المقابل قناديل البحر بشكلٍ مُفرطٍ ملحوظ، فقامت بالتهام الأسماك الصغيرة والتغذي على بيضها، إضافة إلى الاستهلاك الشديد للكائنات البحرية الدقيقة المعروفة بالبلانكتون والتي هي أساس استدامة الحياة في البيئة البحرية.

كذلك فإن الإنسان نفسه ساعد في انتشار قناديل البحر من خلال مياه التوازن في السفن والتي كانت تحمل في بطنها هذه الكائنات من منطقة بحرية معينة وتقوم بتفريغها في منطقة بحرية جديدة، مما يؤدي إلى تكاثر ونمو قناديل البحر والقضاء على الكائنات البحرية الفطرية الأصيلة التي كانت تعيش في هذه المنطقة.

كما أن أيادي الإنسان هي التي لوثت الهواء والماء والتربة وأدت إلى رفع درجة حرارة الأرض وإحداث ظاهرة التغير المناخي، مما نجم عنه ارتفاع درجة حرارة البحر وتحفيز وإثارة قناديل البحر على الزيادة في التكاثر والنمو.  

ولذلك نجد أن كل المشكلات البيئية التي نراها أمامنا، ونشاهدها يومياً في البر والبحر والجو هي من صنع الإنسان ونتاج عمل يده، فهو الوحيد القادر على أن يعالجها من خلال منع أسباب وقوعها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق