الجمعة، 22 نوفمبر 2013

دواؤنا من برازنا!



إذا عرفتَ أن الدواء الذي وصفه لك الطبيب لعلاج مرضك مصنوع من البراز البشري، أو أنه مستخلص من المخلفات البشرية الصلبة، فهل ستتناول هذا الدواء؟

في الحقيقة، وفي الواقع الذي أشهده، فإن الإنسان الذي ابتلاه الله بمرضٍ عضال، وأنزل عليه سَّقماً مستعصياً على العلاج، ويعاني من آلامه ليلاً ونهاراً، ويسهر الليالي الطوال يقاسي من ويلاته، فإنه سيكون حتماً في كامل الاستعداد لتناول أي شيءٍ مهما كان مصدره، أو كانت هويته لكي يتخلص من ألمه ومعاناته المستمرة.

فالعلماء والأطباء الآن يحاولون إيجاد العلاج المناسب والفاعل لنوعٍ من الأمراض المعدية سببه أحد أنواع البكتيريا التي تعيش في أمعاء الإنسان اسمها العلمي(Clostridium difficile)، ويُعد هذا الداء من الأمراض المنتشرة في المستشفيات والمستعصية على العلاج والشفاء، فالإحصاءات الرسمية المنشورة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط تؤكد بانتشار هذا المرض بين أكثر من نصف مليون مواطن أمريكي، ويؤدي الإصابة به إلى وفاة قرابة 14 ألف منهم.

وينتج هذا المرض العضال المعدي عند استخدام المريض للمضاد الحيوي، حيث إن هناك آثاراً جانبية تنكشف على بعض المرضى من استعمال المضاد الحيوي، منها الإسهال الحاد والشديد، بحيث إن هذا الإسهال يقضي تماماً على ملايين البكتيريا النافعة الموجودة في الأمعاء، والتي تلعب دوراً حيوياً في امتصاص العناصر المفيدة من الغذاء، مما يؤدي إلى نشوء بيئةٍ خصبة لأنواع أخرى موجودة طبيعياً في الأمعاء من الجراثيم والبكتيريا الضارة، ومنها هذا النوع الذي ذكرناه آنفاً، فيتوفر له الجو المناسب للتكاثر والنمو بأعدادٍ هائلة تسبب خللاً في التوازن البكتيري الذي ننعم به في الحالات الطبيعية الصحية، كما أن هذا النوع من البكتيريا يفرز سموماً منها إنتروتوكسين(enterotoxin) وسيتوتوكسين(cytotoxin) فتؤدي إلى إصابة المريض بآلام في البطن، والإسهال، ثم التهاب الخلايا والقولون، وفي حالات مزمنة يؤدي إلى الموت.

فعلاج هذا المرض يكمن في إرجاع التوازن الجرثومي والبكتيري في الأمعاء الصحية، أي إرجاع البكتيريا النافعة التي كانت موجودة في الأمعاء وخرجت من الأمعاء وجسم الإنسان بسبب المضاد الحيوي، أو لأسباب أخرى. ولذلك بدأ الأطباء والعلماء في التفكير في كيفية الحصول على هذه البكتيريا، وبالتحديد توفير مصدرٍ ثابت يمكن الاعتماد عليه دائماً في الحصول على الدواء والعلاج، فاتجهت أنظار الأطباء إلى مصدرٍ لا يفكر فيه الإنسان بتاتاً ليكون علاجاً لأسقامنا أو دواءً لأبداننا، بل وإن هذا المصدر يشمئز الإنسان لسماع اسمه، أو رؤيته، فيتخلص منه بأسرع وقت وبأفضل الطرق بيئياً وصحياً، وهذا المصدر الغريب هو البراز، أو الغائط، أو مخلفات الإنسان الصلبة”.

فبراز الإنسان الذي يتمتع بصحة جيدة يحتوي على الملايين من البكتيريا النافعة التي كانت موجودة في جسمه، وبالتحديد تلك التي كانت تسكن في الأمعاء، فإذا قام العلماء بتنظيف البراز من الشوائب والأوساخ، ثم استخلص منه هذه البكتيريا المفيدة، وعمل لها مزرعة خاصة لتتكاثر وتنمو بسرعة، وبعد ذلك أدخلها في جسم المريض الذي يعاني من نقصٍ شديدٍ وحادٍ لهذه البكتيريا، فقد قام عندئذٍ بإعادة التوازن البكتيري في الجسم وفي الأمعاء بشكلٍ خاص، فأعاد بذلك الوظيفة الطبيعية التي كانت تقوم بها في الأمعاء، وبالتالي شفاء الإنسان من علته وسقمه.

وبالفعل قام عالم كندي في إعطاء هذا “البراز الدوائي” لــ27 مريضاً ممن كانون يعانون لمدة طويلة من الزمن من هذا المرض دون الاستفادة من أي نوعٍ آخر من الأدوية التقليدية، فكانت النتيجة مذهلة وغير متوقعة، حيث شفوا جميعاً بعد أيامٍ معدودات من استخدام هذا الدواء الإبداعي العجيب، وقد أُلقيت نتائج هذه الدراسة الميدانية في مؤتمرٍ طبيٍ حول الأمراض المعدية عقد في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في أكتوبر من العام الجاري.

والآن وبعد النجاح الميداني المبهر الذي حققه هذا الدواء من البراز، يسعى العلماء في جمع التبرعات، ليس هذه المرة لدم الإنسان كما هو العادة، وإنما التبرع بعينات من البراز، ثم العمل على استحداث وإنشاء بنكٍ في المستشفيات لـ “البراز المجمد” يمكن تخزينه ونقله من مكانٍ إلى آخر، وبعد ذلك صناعة وإنتاج حبوب خاصة أو “كبسولات برازية” مستخلصة منها تُباع في الصيدليات والمستشفيات، فتكون في متناول اليد عند وقوع هذا المرض، ويمكن بلعها مباشرة كمضاد حيوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق