السبت، 10 فبراير 2018

الكُلفة المالية للازدحام في البحرين


مازلتُ أتذكر في عام 2002 عندما كُنت ممتحناً خارجياً لإحدى رسائل الماجستير في جامعة الخليج العربي تحت عنوان: "التكاليف والآثار غير المنظورة لتزايد أعداد السيارات في دولة البحرين"، حيث حاول فيها الباحث تقديم البعد الاقتصادي الناجم عن ارتفاع أعداد السيارات في شوارعنا والازدحام المروري المصاحب لهذه الزيادة، كما قام الباحث ولأول مرة في تحديد مبلغٍ مالي نقدي محسوس لهذه الاختناقات المرورية الخانقة التي نشهدها يومياً في كل شوارع البحرين وفي كل المناطق بدون استثناء وفي كل الأوقات من النهار أو الليل، والتي تزيد حدتها ودرجتها يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة.

 

وقد توصلت هذه الدراسة الفريدة إلى العديد من النتائج الهامة التي يجب أن نضعها أمام أعيننا ونستفيد منها عند التخطيط المستقبلي للشوارع وعند وضع استراتيجيات مستقبل السيارات بشكلٍ عام في البحرين. وهذه النتائج تصب في مهمات وعمل واختصاصات عدة جهات حكومية منها وزارة المالية، ووزارة المواصلات، ووزارة الصحة، وهيئة النفط والغاز، وجهاز البيئة.

 

ومن هذه النتائج أن عدد ساعات الوقت الضائع التي تنشل فيها الحركة المرورية، أو تتكرر وقوفها مرات عدة بسبب الاكتظاظ الشديد أو الإشارات الضوئية، تبلغ كلفتها المالية النقدية على المجتمع البحريني حوالي 6 ملايين دينار لعام 2000، وتتوقع الدراسة أن هذه الخسائر المالية التي نتكبدها جميعاً وتمثل عبئاً غير مباشر على ميزانية الدولة، سترتفع بشكلٍ تصاعدي كبير نتيجة للزيادة المطردة التصاعدية في أعداد السيارات خلال السنوات القادمة، حيث تقدر هذه الخسائر النقدية بأكثر من 31 مليون دينار، علماً بأن هذه التقديرات تمثل التوقعات المنخفضة جداً للتبعات المالية الناجمة عن الازدحام المروري غير المعقول.

 

فلو رجعنا إلى آخر الإحصاءات الرسمية المنشورة من الجهات المختصة حول أنماط زيادة أعداد السيارات لوجدناها مخيفة ومُقلقة جداً مقارنة بمساحة البحرين المحدودة جداً وبعدد وطول الشوارع الموجودة حالياً في البحرين من جهة وبالتضخم السكاني والكثافة السكانية العالية من جهةٍ أخرى، حيث كان عدد السيارات المسجلة 545ألف سيارة عام 2015، وارتفع هذا العدد في عام 2016 إلى653 ألف، وحالياً وصل عدد المركبات إلى أكثر من700 ألف، في حين أن إنشاء الشوارع الجديدة، أو توسعة وتحديث وصيانة الشوارع القديمة أو إنشاء مواقف السيارات لم يواكب هذا النمو الكبير المتعاظم، ولم يلحق بهذا الارتفاع السنوي المشهود لأعداد المركبات.

 

فالنتيجة الطبيعية المتوقعة لهذا الحالة المرورية العصيبة هي الاكتظاظ المروري والزحمة غير المستدامة للسيارات، إلى درجة أَنَّك الآن في البحرين أينما تُولِّي وتذهب وتتحرك فثَم وجه السيارات والزحمة أمامك، فالزحمة عن يمينك وشمالك، ومن أمامك ومن خلفك، وليست في ساعات الذروة فحسب كما كان قبل سنوات، وإنما في كل الأوقات من الليل والنهار والصباح والمساء، والزحمة ليست في بعض الشوارع الرئيسة والحيوية وإنما في كل شوارع وطرقات البلاد.

 

فهذه المردودات المالية الإضافية المتزايدة الناجمة عن ازدياد المركبات والتي تُرهق كاهل الميزانية المريضة والعاجزة تنتج عن عدة عوامل يمكن تلخيصها في النقط التالية:

أولاً: شل الحركة المرورية يؤدي إلى تأخير الإنتاج والعطاء وإنجاز الأعمال وضياع الأوقات دون جدوى، ولهذا انعكاسات مالية كبيرة.

ثانياً: الازدحام المروري وتعطل الحركة المرورية يؤدي إلى استنزاف لا فائدة من للوقود في السيارات، أي هدر مصدر حيوي للطاقة، ولهذا أيضاً انعكاسات مالية ضخمة.

ثالثاً: الاكتظاظ المروري يرفع من درجة تلوث الهواء الجوي وتدهور جودته وصحته، مما ينعكس سلباً على الإنسان من حيث التعرض للأمراض المزمنة التي تصيب أعضاء الجسم وفي مقدمتها الجهاز التنفسي والقلب، ثم مع الوقت السقوط في شباك الموت المبكر، ولهذه مردودات مالية نقدية لا تُقدر بثمن.

 

وانطلاقاً من هذه المعلومات الخطيرة التي قدمتُها لكم، علينا أن لا ننظر إلى قضية الزيادة الكبيرة في أعداد المركبات والازدحام المروري المزعج الذي نعاني منه كل ساعة بأنها قضية مرورية بحتة، فهي قضية معقدة ذات أبعادٍ متشابكة ومتعددة، فهناك البعد المالي الاقتصادي، وهناك البعد الاجتماعي والسلوكي، وهناك البعد المتعلق بهدر الطاقة الناضبة، إضافة إلى البعد البيئي الصحي، ولذلك لا بد من هذه القضية أن تصعد في سُلم أولويات الحكومة وتحظى بالرعاية الكاملة والعاجلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق