الثلاثاء، 20 فبراير 2018

هل الهاتف النقال يسبب السرطان؟


دراسة علمية جامعة وشاملة كُنت أنتظرها منذ زمن طويل بفارغ الصبر والترقب الشديد، وبالتحديد أنتظر هذه الدراسة الفريدة من نوعها منذ أكثر من عشر سنوات!


 


فهذه الدراسة التي نُشرت في الثاني من فبراير من العام الحالي ليست كباقي الدراسات والأبحاث التي اطلعتُ عليها من قبل، فهي تخص كل إنسان يعيش على وجه الأرض، وفي كل دول العالم الفقيرة منها والغنية، النامية والمتقدمة، وهي دراسة تهم الجميع الصغار والأطفال والكبار على حدٍ سواء، كما تخص الشباب والشيوخ معاً، فالجميع معني بنتائج هذه الدراسة الهامة ولما يتمخض عنها من استنتاجات.


 


فقد استغرق انجاز هذه الدراسة أكثر من عشر سنوات، وكانت كُلفتها رقماً خيالياً قياسياً غير مسبوق، حيث بلغت الفاتورة الإجمالية 25 مليون دولار أمريكي، وقام بها المعهد الوطني الأمريكي للصحة ممثلاً في البرنامج الوطني لعلم السموم، وبتكليف وتمويل من إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية.


 


فقد تم تقسيم هذه الدراسة الكبيرة إلى بحثين رئيسين يهدفان إلى التعرف على الأضرار الصحية، وبخاصة الإصابة بمرض السرطان،والتي قد تنجم عند التعرض لسنواتٍ طويلة للإشعاعات التي تنبعث من الهاتف النقال، حيث أُجريت التجارب المخبرية الميدانية على3000 من بعض الأنواع من القوارض، وبالتحديد الفئران والجُرْذان، وتم تعريض هذه القوارض لمدة سنتين، ولتسع ساعات يومياً لهذه الإشعاعات، وتراوحت مستويات الإشعاع من 1.5 وات لكل كيلوجرام إلى 10 وات للكيلوجرام، وبترددات900 ميجاهرتز من الجيلين الثاني والثالث، علماً بأن هذه الظروف المخبرية تشابه إلى حدٍ كبير الظروف التي يتعرض لها الإنسان عند استعماله للهاتف النقال كل يوم.


 


ومن أهم النتائج التي تمخضت عن الدراسة هي أن ذكور الجرذان(rat) ظهرت فيها أورام في الأنسجة والخلايا المحيطة بالأعصاب بالقرب من القلب، ويُطلق على هذا الورم السرطاني(schwannomas)، في حين أن إناث الجرذان لم تنكشف عليهن هذه الأورام، كما أن ذكور وإناث الفئران(mice)لم تظهر عليها أية إصابات بأمراض السرطان كلياً. وأما من ناحية الأمراض والأعراض الأخرى غير السرطانية، فقد أفاد الباحثون إلى النتائج أشارت إلى انخفاض وزن المواليد، إضافة إلى حدوث تلف ل.لـ دي إن أيه(DNA) للجرذان.


 


فالخلاصة إذن من هذه الدراسة أن احتمال السقوط في شباك السرطان نتيجة لاستخدام الهاتف النقال ضئيل جداً، ونشرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية التي دعمت هذا البحث بياناً رسمياً انطلاقاً من الاستنتاجات التي تمخضت عن الدراسة جاء فيه أنه حتى يومنا هذا "لا توجد أدلة كافية بأن هناك تأثيرات صحية ضارة على الإنسان ناجمة عن التعرض للأشعة الصادرة من الهاتف النقال".


 


وبالرغم من هذه الاستنتاجات الواضحة والمبنية على تجارب مخبرية حية ولسنوات طويلة، إلا أنني ومن خبرتي مع المنتجات الحديثة التي تُسوق إلينا ونستخدمها كل يوم، علينا تبني الحكمة الطبية القائلة "الوقاية خير من العلاج" والمثل الشعبي المعروف "إللي يزيد عن حدِّه ينْقلب ضده". أي أننا يجب أن نستعمل هذه المنتجات الجديدة، أو الهاتف النقال في هذه الحالة، بقدرٍ واعتدال ووسطية ونتجنب الإسراف والتطرف في استخدامه، إضافة إلى أننا يجب أن نتبع التحذيرات التالية التي تقينا من شر التعرض لفترة طويلة وجرعات عالية من الإشعاعات التي تنطلق من الهاتف النقال، كما يلي:


أولاً: تجنب إعطاء الهاتف النقال للأطفال وهم في سنٍ مبكرة وصغيرة لكي نقلل من الفترة العمرية التي يتعرضون فيها للإشعاع.


ثانياً: عدم التحدث طويلاً عند استخدام الهاتف النقال والتوجه نحو استخدام "النصوص الكتابية" كلما أمكن ذلك.


ثالثاً: استخدام السماعات أو "الإسْبيكر"، كلما أمكن ذلك، وإبعاد الهاتف عن الرأس.


رابعاً: عدم وضع الهاتف بالقرب منك عند النوم.


 


ولكن الطامة الكبرى التي تخرج عن إرادتنا وسيطرتنا أننا لا نتعرض في كل دقيقة من حياتنا للإشعاعات الصادرة من الهاتف النقال فحسب، وإنما نحن نعيش في بحر لجي متلاطم الأمواج من الإشعاعات غير المرئية المؤينة وغير المؤينة التي تنطلق من مصادر كثيرة ومختلفة لا تُعد ولا تحصى، منها ما نعلم عنها كالإشعاعات الصادرة من الراديو والتلفزيون والميكروويف وأجهزة الحاسب الآلي وأبراج الاتصالات وأسلاك الكهرباء في المنزل وخارج المنزل والأجهزة الطبية، ومنها ما لا نعلم عنها وهي موجودة بيننا وحولنا لأغراض أمنية وعسكرية واتصالاتية وغيرها، فالمشكلة إذن ليست في التعرض لإشعاعات الهاتف النقال فقط التي يمكن التحكم فيها، وإنما في التعرض المجموعي والتراكمي لكل هذه الإشعاعات في كل ثانية من حياتنا دون أن ندري أو أن نحس بوجودها معنا.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق