الجمعة، 2 فبراير 2018

الطاقة المتجددة والنظيفة، خيارنا الاستراتيجي



سياساتنا الحالية، واستراتيجياتنا المستقبلية في مجال أمن الطاقة يجب أن تواكب المتغيرات الدولية وتلحق بآخر المستجدات في مجال تقنيات الطاقة بشكلٍ عام، كما يجب أن تتماشى وتلتزم باستحقاقات التشريعات والقوانين الدولية المتمثلة في الاتفاقيات الإقليمية متعددة الأطراف، أو المعاهدات الدولية التي ترعاها منظمات الأمم المتحدة، وعلى رأس هذه المعاهدات وفي مقدمتها الاتفاقيات المتعلقة بالتغير المناخي، كمعاهدة باريس الأخيرة.

فإستراتيجيتنا القصيرة والطويلة الأمد يجب أن تعتمد على عدة مبادئ رئيسة، فالأول هو التحول التدريجي مع الزمن في استخدام مصادر الطاقة الناضبة غير المتجددة وغير الصديقة للبيئة في محطات توليد الكهرباء وفي وسائل النقل المختلفة من حيث نسبة وحجم ونوعية الملوثات التي تنبعث منها، وقوة وشدة تدميرها للثروات والموارد الطبيعية ومكونات وعناصر البيئة المختلفة من الناحيتين النوعية والكمية. أي أننا يجب أن ننتقل ونتحول مع الزمن، على سبيل المثال وحسب ظروف كل دولة، من الفحم كوقود أحفوري غير متجدد وكمصدر شديد التلوث للبيئة ومهدد لنوعيتها وجودتها إلى مصدر آخر غير متجدد أيضاً للطاقة ولكنه أقل تلويثاً لمكونات بيئتنا وهو البترول ومشتقاته المتعددة المستخدمة في إنتاج الطاقة وكوقود محرك للمركبات، ثم كُلما أمكن التحول إلى مصدر آخر ناضب وغير متجدد أيضاً ولكنه في الوقت نفسه أقل فتكاً بثرواتنا البيئية الطبيعية، وأقل تدميراً لجودة الهواء والأنهار والبحار والبحيرات، وهو الغاز الطبيعي الذي يمكن استخدامه في محطات توليد الكهرباء وفي تشغيل المركبات، فالغاز الطبيعي يُعد من أنظف أنواع الوقود الأحفوري غير المتجدد مقارنة بالفحم ومشتقات النفط.

أما المبدأ الثاني في الإستراتيجية طويلة الأمد لأمن الطاقة هي الانتقال إلى مصادر الطاقة البيئية النظيفة المتجددة، وتنويع هذه المصادر، وعدم الاعتماد على مصدر واحد فقط من هذه المصادر، أي يمكن الاستفادة من أكثر من مصدر واحد في الوقت نفسه والتزاوج بينهما، بحيث أن كل مصدر يكمل الآخر، وذلك حسب الظروف والإمكانات والتحديات التي تواجهها كل دولة. فمصادر الطاقة البديلة المتجددة كثيرة ومختلفة، ولكلٍ منها سلبياتها وايجابياتها، وحسناتها ومساوئها وعلى كل دولة إجراء دراسات جدوى فنية واقتصادية واجتماعية وبيئية لكل نوع من هذه الأنواع، وأخذ القرار النهائي وبما يتناسب مع خصوصية الدولة. فعلى سبيل المثال، هناك طاقة الرياح التي تحتاج إلى مساحاتٍ شاسعة من الأراضي، وفضاءٍ رحبٍ واسعٍ وفسيح، ولذلك لا تصلح لدولة مساحتها ضيقة وتعاني من شح في الأرض كالبحرين، وهناك الطاقة الشمسية التي تصلح لدولنا ويمكن استخدامها في بعض التطبيقات المحددة، وهناك الطاقة الكهربائية التي يمكن الحصول عليها من حرق المكونات العضوية القابلة للاحتراق في المخلفات المنزلية غير الخطرة التي تنتج كل يوم من أنشطة الإنسان في المنزل والمكتب والمصنع والمعمل ، وتزيد أحجامها يوماً بعد يوم.

وفي المقابل هناك المصدر المعروف للطاقة النظيفة الخالية من التلوث وهو الطاقة النووية، ولهذا المصدر إيجابيات كثيرة، وأنا شخصياً أؤكد الاستفادة من هذا المصدر لأسباب عدة منها سياسية وأمنية، ولكن سلبياتها تتلخص في أمن وسلامة التشغيل، إضافة إلى كيفية إدارة المخلفات المشعة التي تنجم بعد انتهاء عُمر الوقود النووي المستخدم لتوليد الطاقة.

ومن المفيد هنا تقديم نموذج خليجي يعكس هذه الاستراتيجية التي لخصتها لكم، وهو النموذج السعودي، حيث صرح رئيس مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة بوزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في 16 يناير من العام الجاري في مؤتمر الاستدامة في أبوظبي حول تنويع مصادر الطاقة في المملكة، وبالتحديد ركز على مصادر الطاقة البديلة المتجددة، حيث قالبأن المملكة ستُنفق نحو 7 بلايين دولار على مشاريع الطاقة النظيفة في العام الجاري، منها إنشاء محطات لتوليد الكهرباء من الشمس والرياح بقوة إجمالية قدرها 9.5 جيجوات بحلول عام 2023. 

أما الإستراتيجية التي أرى أن نعتمدها في البحرين في مجال أمن الطاقة وتوليد الكهرباء فهي التنويع واستخدام المزيج من مصادر الطاقة غير المتجددة والمتجددة معاً وفي آنٍ واحد، وبالتحديد الاستمرار في استعمال الغاز الطبيعي مُنْخفض الكبريت لإنتاج الكهرباء، إضافة إلى إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من حرق مخلفات البلدية الصلبة والاستفادة من الطاقة الشمسية، وعلى المدى البعيد التفكير في الطاقة النووية لتوليد الكهرباء. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق