الاثنين، 29 يناير 2018

لماذا أوقف الصينيون دفن البحر!


خبر قرأتُه في 18 يناير من العام الجاري في صحيفة الشعب اليومية الصينية تحت عنوان: "الصين تفرض أشد الأنظمة صرامة حول عمليات دفن البحر"، وجاء في الخبر أن الصين ستعمل على إيقاف وإغلاق جميع عمليات دفن البحر غير المرخصة والعشوائية وهدم المباني والمرافق التي أُقيمت على هذه المناطق المدفونة. فعلى سبيل المثال، أوقفت الحكومة الصينية، ممثلة في جهاز إدارة المحيطات رخصة بناء جزيرة صناعية سياحية في البحر في مدينة وانينج بمقاطعة هينان، حيث تبلغ مساحة المنطقة المدفونة من البحر قرابة 150 هكتاراً، أي أقل من كيلومترين مربعين. وقد أكد المسؤول الصيني في إدارة المحيطات على هذه السياسة الجديدة والإجراءات الحاسمة والصارمة لعمليات دفن البحر، وقال بأن الشروط التي وضعناها الآن للموافقة على عمليات دفن البحر هي أن النشاط الذي يعتزم دفن البحر يجب أن يكون له مردودات إيجابية على الاقتصاد الوطني الصيني من جهة، وأن لا يكون له تأثير سلبي على حياة ومعاش الناس ومصدر رزقهم من جهة أخرى، كما أفاد المسؤول الصيني بمنع عمليات دفن البحر لأغراض تجارية سكنية، إضافة إلى إيقاف أي عملية دفان في بحر بوهاي كلياً.

 

فماذا حدث في الصين الآن حتى تشدد قبضتها الحديدية على الأنشطة التنموية التي تقام على أراضٍ مدفونة في البحر؟

ولماذا قررت الصين اليوم وبعد عقود من دفن البحر شرقاً وغرباً أن تضع أنظمة وقوانين مغلظة ومقيدة لأي مشروع يعتزم دفن سواحل البحر؟

 

إن ما حدث في الصين، حدث في البحرين ومازال مستمراً عندنا، فتجربة الصين لا تختلف عن تجربتنا. فالصين في العقود الماضية تَبَنتْ ما أُطلقُ عليه بسياسة النمو "المُعوقْ" الذي ينظر إلى الأنشطة التنموية بعينٍ واحدة فقط، وهي تحقيق النمو الاقتصادي البحت ورفع الناتج المحلي الإجمالي على حساب كل شيء آخر سواء أكانت البيئة وثرواتها الطبيعية من ماء وهواء وتربة، أو على حساب خيراتها الحية من ثروةٍ سمكية وحياة فطرية برية نباتية وحيوانية، كما كان النمو الصيني الأحادي الجانب على حساب الطبقات الفقيرة والبسيطة التي تقتات وتعيش على الثروات الموجودة في هذه المكونات البيئة الحية وغير الحية، وبخاصة البيئة البحرية. فكانت النتيجة الحتمية لهذا النمو، حسب التقارير الحكومية الرسمية نفسها، التدمير الشامل للبيئة والفساد المستفحل لعناصرها وثرواتها والتي انعكست مباشرة على صحة المواطن الصيني، فنشأت أكثر من 500 قرية سرطانية تزيد فيها معدلات الإصابة بالسرطان مقارنة بالقرى الأخرى، كما فسد الهواء الجوي في معظم المدن الكبرى بانكشاف السحب البنية الصفراء اللون، بحيث تحول الهواء إلى أداة هدم لسلامة الإنسان بدلاً من أن يكون صحة وأمن وعافية، ومياه البحر تشبعت بشتى أنواع الملوثات وامتلأت بالسموم المهددة لصحة الأسماك والإنسان معاً نتيجة للمخلفات السائلة الناجمة عن حفر ودفن البحر والقضاء كلياً على البيئة البحرية الساحلية، إضافة إلى مخلفات مياه المجاري الآسنة وإسالات المصانع الخطرة. هذا الوضع البيئي انعكس صحياً على الناس وكان له مردودات سياسية وأمنية هزت المجتمع الصيني، مما اضطر الحكومة الصينية المركزية ولأول مرة في تاريخها "إعلان الحرب على التلوث"، وسنَّت قوانين شديدة على كل من يلوثون البيئة ويعتدون على حرماتها في البر والبحر والجو.

 

وقد آن الأوان علينا نحن أيضاً أن نُعلن الحرب على التلوث ونضع التشريعات الكفيلة بحماية كافة مواردنا الفطرية الطبيعية، وعلى رأسها البحر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق