الأربعاء، 24 يناير 2018

اتهامات متبادلة بين أمريكا والصين


الاتهامات المتبادلة والمناوشات الكلامية السرية والعلنية تكاد لا تنتهي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فهي قديمة ومتجددة، وتظهر على السطح بين الحين والآخر. فهذه الأيام نشهد خلافات بين الدولتين ولكنها خلافات واتهامات خفية، ولم تنكشف كثيراً إلا لمن يهتم بها ويتابعها ويراقب تطوراتها، فهي ليست تقليدية معروفة كما عهدناها من قبل مثل الخلاف حول تهريب وتصدير النفط من الصين إلى كوريا الشمالية، أو الخلاف حول الفرق الشاسع في الميزان التجاري بين الدولتين، أو التهم المتبادلة الموجه حول التغير المناخي ودور كل منهما في رفع درجة حرارة كوكبنا وعدم الالتزام بالمعاهدات الدولية المعنية بهذا الشأن، أو مؤخراً وبالتحديد في التاسع من يناير من العام الجاري التحذيرات شديدة اللهجة التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية ضد الصين حول وضع الجيوش والسفن العسكرية في جزر ومياه بحر جنوب الصين.

 

 

فهذه المرة كانت التراشقات والاتهامات حول قضية لا يتوقعها الكثير من المهتمين والمراقبين لتطورات الأحداث بين الدولتين، فالتهمة التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية للصين هي إغراق الصين لأسواق أمريكا بالمخدرات المنتجة في مصانع الصين، والتي تُصدر أو تهرب إلى أمريكا بشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية، وبالتحديد مركب كيميائي خطير جداً يعرف بالـ "فينتانيل" (fentanyl)، وهو مخدر رخيص الثمن يباع كبديل للهيروين وفاعليته وتأثيره أكثر من الأفيون بآلاف المرات.

 

وهذه التُهم تحولت إلى أحد المواضيع والقضايا الرئيسة التي وُضعت في جدول أعمال الاجتماع الذي عقده الرئيس ترمب مع الرئيس الصيني أثناء زيارة ترمب للصين في نوفمبر من العام المنصرم، وكانت تحت بند "انتشار المخدر فينتانيل الرخيص في الولايات المتحدة الأمريكية والمصنوع في الصين"، حسب ما ورد في تقرير صحيفة النيويورك تايمس في الثامن من نوفمبر عام 2017. وفي المقابل لم تقف الصين صامتة تجاه هذه الاتهامات، فقد أكدت في تصريحات لها على لسان الرئيس التنفيذي لجهاز التحكم في المخدرات التابع لوزارة الأمن العام الصينية والذي رمى الكرة في ملعب الولايات المتحدة الأمريكية وقال لا يوجد أي دليل ملموس بأن أحجام كبيرة من المخدر تأتي من الصين، وأضاف بأن أمريكا لا تتخذ إجراءات صارمة لخفض الطلب على هذه المخدرات، فكما يعلم الجميع بأن الطلب المتزايد على هذا النوع من الحبوب المخدرة، أو أية سلعة مهما كانت، ضارة أم نافعة، يسيل لعاب الجميع من المهربين وأصحاب الضمائر الميتة لتهريب وبيع هذه السلعة، كما نصح المسؤول الصيني أمريكا إلى تعزيز وتعميق الوعي الشعبي من خلال المناهج الدراسة والحملات الشعبية في وسائل الإعلام حول المخدرات وتأثيراتها المدمرة على الفرد والمجتمع برمته.

 

فهذه التهم بين أكبر بلاد العالم إن دلت على شيء فإنما تدل على عمق قضية المخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية واستفحالها في جسد المجتمع الأمريكي الذي بدأ يتآكل من الداخل فينخر في أعضاء هذا الجسد العليل. وقد بلغت أزمة المخدرات مستويات تاريخية غير مسبوقة، وتحولت إلى وباء عام، مما ألزمت الرئيس الأمريكي ترمب في أكتوبر عام 2017 إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية القومية حول داء الأفيون. كما أكد ترمب في اللقاء الصحفي الذي عقده في منتجع كامب ديفيد في السادس من يناير من العام الجاري على أن وباء المخدرات سيكون من أولوياته في جدول أعمال عام 2018.

 

فالإحصاءات الأخيرة المنشورة من وزارة الخدمات الصحية والبشرية، ومن المركز الأمريكي حول التحكم ومنع المرض، إضافة إلى تقارير وإحصاءات المركز القومي للإحصاءات الصحية، كلها تؤكد وتثبت أن الشعب مخدر ويعاني من الإدمان، وأُقدم لكم نموذجاً مختصراً لهذه الإحصاءات.

أولاً: الجرعة الزائدة من المخدرات هي السبب الرئيس لحالات الموت للشعب الأمريكي لمن دون الخمسين من العمر.

ثانياً: عدد الذين أُدخلوا أقسام الطوارئ من المراهقين والشباب بسبب المخدرات تضاعف خلال الخمس سنوات الماضية وزاد من 52 لكل مائة ألف مريض إلى 97 في عام 2014.

ثالثاً: في عام 2016 قضى 63600 ألف أمريكي نحبهم بسبب الجرعة الزائدة، في حين كان العدد 52 ألف عام 2015.

رابعاً: انخفاض معدل عمر الإنسان الأمريكي للعامين الماضيين بسبب الجرعات الزائدة من المخدرات وأسباب أخرى، حيث إن المعدل المتوقع لعمر الأطفال المولودين في عام 2016 انخفض إلى 78.6 سنة، ونسبة الموت ارتفعت 21%. 

خامساً: الكلفة المالية الحقيقية لوباء المخدرات على ميزانية أمريكا بلغت 504 بليون دولار حسب التقرير الصادر من مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين في نوفمبر من العام الفائت.

فهذه الحقائق حول حالة المخدرات المأساوية في الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تدق ناقوس الخطر في بلادنا فتُحذرنا من الوقوع في وباء الإدمان على المخدرات وتنبهنا إلى ضرورة فتح أعيننا دائماً لمنع هذا الخطر المهدد لصحة الفرد وأمن المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق