الاثنين، 8 يناير 2018

التلوث يجعلك عُدوانياً وعنيفاً!


 

هل فكرت يوماً بأن التعرض للملوثات بشكلٍ يومي ولسنوات طويلة قد يؤثر على سلوكك، ويغير من تصرفاتك، ويهيمن على ميولك وعاداتك؟

 

وهل تخيلت يوماً بأن هذه الملوثات التي تستنشقها في كل ثانية قد تؤدي بك مع الوقت إلى أن تتحول إلى شخصٍ يرتكب أعمال العنف والجريمة والشغب؟

 

فمن المعروف تقليدياً ومنذ زمنٍ بعيد بأن التلوث، وبخاصة تلوث الهواء يؤثر على الجهاز التنفسي، فيُعرضك للسقوط في أمراض مستعصية كسرطان الرئة، والربو، والالتهابات المختلفة التي تصيب أحد أجزاء الجهاز التنفسي، ولكن في الآونة الأخيرة اتجهت الدراسات إلى سبر غور ظاهرة خطيرة بدأت تتفشى في بعض المجتمعات نتيجة لتفاقم مستوى التلوث فيها، وأخذت تكشف عن نفسها رويداً رويدا، وهي تهديد هذه الملوثات وتأثيراتها السلبية وتداعياتها الضارة على الجانب النفسي والسلوكي والأخلاقي والعقلي للإنسان، مثل جعل الإنسان أكثر ميلاً لارتكاب أعمال الشر والتصرفات السيئة والمنحرفة وأشد وقوعاً في جرائم العنف والقتل.

 

فقد أشارت دراسة عنوانها: "دراسة تحليلية للتلوث بالجسيمات الدقيقة(الدخان) والسلوكيات المنحرفة لدى المراهقين في جنوب كاليفورنيا"، ونُشرت في المجلة الأمريكية لطب الأطفال النفسي غير الطبيعي(Journal of Abnormal Child Psychology) في العدد الصادر في 13 ديسمبر من العام المنصرم، إلى أن الشباب والمراهقين الذين يعيشون في مناطق نخر فيها داء التلوث وارتفعت فيها درجة الملوثات والمواد الكيماوية السامة والخطرة أكثر قابلية من غيرهم لممارسة السلوكيات المشينة والتصرفات السيئة مثل الكذب، والغش، والسرقة، والتخريب، والهروب من المدرسة، وتعاطي المخدرات، والعنف.

 

فكأن هذه الدراسة التي راقبتْ عن كثب وبشكلٍ مستمر سلوك 682 مراهقاً دون سن الـ 19 لمدة تسع سنوات ويعيشون في مناطق ترتفع فيها الحركة المرورية وتكتظ بالسيارات في مدينة لوس أنجلوس،تفيد بأن الملوثات أصبحت كالوقود الذي يعمل على فساد الشباب وتدهور أخلاقهم وفساد سلوكياتهم اليومية وتوجيهها نحو العنف. فالملوثات، وبصفةٍ خاصة الدخان أو الجسيمات الدقيقة المتناهية في الصغر والتي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر تزحف مع الوقت إلى أعماق أعضاء جسمك الحساسة فتتراكم في الرئتين وبخاصة في الحويصلات الهوائية، كما تنتقل إلى القلب، وأخيراً تصل إلى خلايا المخ المختلفة فتؤثر على وظيفتها وعملها، وتعرقل قيامها بدورها وتصيبها بالالتهابات المزمنة. فإذا كانت هذه خلايا عصبية تتحكم في عواطف الإنسان وفي اتخاذ القرار، فإن هذه الملوثات تؤدي إلى جعل الإنسان يتخذ قرارات خاطئة ويسقطه في ارتكاب سلوكيات منحرفة غير مقبولة في المجتمع، وهذا الوضع يزداد سوءاً وتدهوراً وفتكاً على الأطفال وصغار السن، حيث إن خلايا المخ تكون عندهم في طور النمو والتطور وأية تغييرات خارجية ولو بسيطة وصغيرة تؤدي إلى نمو معوقٍ وغير سليم أو تلف كلي لهذه الخلايا، وستكون لها تأثيرات جانبية وسلبية لا تحمد عواقبها على الأطفال على المدى البعيد.

 

والدراسات والأبحاث حول تأثير الملوثات على الصحة العقلية والنفسية للبشر وعلى سلوكياتهم وتصرفاتهم بدأت تتراكم مع الوقت، وجميعها تصب في استنتاجٍ واحد ملخصه بأن التعرض للملوثات عند الصغر ولو كان لمستويات منخفضة فإنها تؤثر على السلوك البشري وميوله وتصرفاته اليومية فتجعله أكثر عدوانية وأشد ميلاً للعنف وارتكاب السلوكيات المنحرفة والسيئة. فمنذ سنوات أكدت الكثير من الدراسات بأن التعرض للرصاص الذي يتراكم مع الوقت في العظام له علاقة قوية بسلوك الشباب والمراهقين والأطفال، حيث أجمعت بأنه كلما زاد تركيز الرصاص في عظام الشباب ارتفعت لديهم القابلية لارتكاب الجرائم وأعمال الشغب والعنف والميل للخروج عن الأنظمة والقوانين، حتى أن العوامل التي تُسهم في ارتفاع نسبة الجرائم في بعض المدن الأمريكية تم ربطها الآن بالتلوث والتعرض للملوثات، وبالتحديد الرصاص، كأحد مسببات ارتفاع معدلات الجريمة. كذلك هناك الكثير من الأبحاث الميدانية التي أشارت إلى وجود علاقةٍ قوية بين غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُسهم في رفع درجة حرارة الأرض وإحداث التغير المناخي وحالة عدم الاستقرار والعنف المسلح في بعض الدول حول العالم.

 

فهذه الأبعاد الجديدة التي تنجم عن التعرض للملوثات، وهذه الجوانب الحديثة للتلوث التي تم اكتشافها هذه الأيام ستكون لها عواقب وخيمة على مجتمعاتنا، ومردوداتها خطيرة جداً، فربما لو استمرت الملوثات في بيئتنا ولو بدرجاتٍ بسيطة ومستويات منخفضة، فسنعيش في مجتمعات تسود فيها الاضطرابات والمشاكل وعدم الاستقرار، وهذا بدوره يؤثر على الأمن القومي للدول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق