الخميس، 8 مارس 2018

الديمقراطية التي لا أُريد



المجتمع الغربي، أو الديمقراطية الغربية تقوم أساساً على حكم الشعب للشعب، أي أن غالبية الشعب إذا رغبت في السماح لأي شيء مهما كان ذلك الشيء، فسيكون هذا المحرم حلالاً طيباً، وإذا الغالبية العظمى من المواطنين في الدولة صوتت من أجل قضية محددة ووافقت على وجودها وممارستها في المجتمع فسيتحول إلى أمرٍ قانوني مباح لا غبار عليه، أي أن الشعب هو مصد السلطات كلها، فإذا قضى أمراً فيقول له كن فيكون، فلا توجد قِيم عليا، ولا أخلاقيات ومُثل فاضلة، ولا ثوابت وطنية دائمة، ولا مبادئ أساسية سامية للمجتمع، ولا توجد قيود أو مُحرمات على الشعب فهو الذي بيد حكم التحليل والتحريم.

وهذه ورطة كبيرة خانقة، وأزمة حقيقة عصيبة وقعت فيها المجتمعات الغربية الآن، ولا تعرف طريق الخروج منها، أو التعامل السليم معها، أو إدارتها بأسلوب مستدام.

ولكي أوضح لكم هذه الفكرة، أُقدم مثالاً واحداً فقط مُستخلصاً من تجربة وخبرة الولايات المتحدة الأمريكية مع المخدرات، وبالتحديد مع الحشيش، أو الماريوانا، أو ما يُرف بنبات القِنب.

فهذا المخدر القاتل المعروف قديماً، والمتغلغل منذ سنوات في المجتمع الأمريكي، والذي تُصنفه الولايات المتحدة الأمريكية وحكومتها الاتحادية حتى يومنا هذا بأنه خطر كالهيروين، وليس له فوائد طبية، رأى الآن غالبية الشعب الأمريكي في أنه يمكن فك القيود المفروضة على استعماله سواء لأغراض طبية علاجية، أو لأغراض شخصية للترفيه والترويح والتسلية عن النفس.

وهذا التوجه للشعب الأمريكي ورغبته في أن يُحِل استعمال هذا المخدر المـُحرَّم المهلك للحرث والنسل على المستوى الاتحادي، لم يأت بين عشيةٍ وضحاها وإنما جاء رويداً رويداً مع مرور السنين ولأسباب عدة. فمنذ أن بدأت استطلاعات الرأي حول الحشيش في عام 1969، كانت نسبة الأمريكيين الذين يرغبون في السماح للحشيش نحو12%، وارتفعت النسبة في عام 1970 إلى 25%، ثم تضاعفت النسبة بشكلٍ مشهود فبلغت 60% عام 2016، وارتفعت مرة أخرى إلى 64% في أكتوبر 2017، وهناك استطلاع آخر للرأي أشار إلى موافقة 86% من الأمريكيين لاستخدام الحشيش تحت أي مسمى.

وهذه الاستطلاعات للرأي انعكست على الاستفتاءات التي أجرتها الولايات لتحليل هذا الوباء المدمر للصحة والمجتمع، فأول ولاية فتحت الباب أمام الحشيش هي كاليفورنيا التي سمحت باستخدامه لأغراض طبية عام 1996، وهي التي مهدت الطريق للولايات الأخرى وشجعتهم على السير في خطاها حتى وصل عدد الولايات إلى29ولاية، في حين أن في ولاية كولورادو صوَّت الأمريكيين في الولاية في عام 2012، ولأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية للسماح باستعمال الحشيش للترويح عن النفس ولأغراض فردية وشخصية، ثم في يناير 2014 تم افتتاح أول محل مرخص رسمياً لبيع الحشيش للجميع، والآن تسع ولايات سمحت بهذا الاستخدام، إضافة إلى العاصمة واشنطن دي سي.

وفي تقديري هناك عدة أسباب دعت معظم الشعب الأمريكي إلى السماح لتعاطي الحشيش والسماح لانتشار هذه الآفة، منها ضعف الوازع الديني وانعدام ثقافة الأخلاقيات والفضائل والضوابط، والرغبة الجامحة القصيرة الأمد نحو الترفيه والترويح وبلوغ الذروة في الشهوات المادية والرفاهية الجسدية بكافة أشكالها مهما كانت انعكاساتها على صحة الفرد والمجتمع، وتعاطي الحشيش يمثل أحد هذه الأشكال. والثاني فهو استفحال استخدام الحشيش إلى درجة خطيرة وكبيرة بلغت نسبته في عام 2015 إلى 12.9%، بحيث أن الجهات الأمنية أصبحت غير قادرة على تحمل أعباء ومتابعة اعتقال المتعاطين ومحاكمتهم وسجنهم، إضافة إلى الكلفة الباهظة لهذه العملية التي ترهق كاهل ميزانيات الولايات العاجزة، حيث أفادت دراسة نُشرت عام 2012 بأن عدد المعتقلين في 2010 بلغ 750 ألف، وبكلفة مالية وصلت إلى 3.6 بليون دولار. وفي المقابل نقلت صحيفة الواشنطن تايمس في 12 يناير من العام الحالي دراسة أُجريت حول صناعة الحشيش وقدَّرت هذه الدراسة بأن السماح لاستخدام الحشيش على المستوى الاتحادي سيُثري وينعش الاقتصاد الأمريكي ويملأ خزينة الدولة بنحو 132 مليار دولار كضرائب بحلول عام 2025، إضافة إلى خلق أكثر من  1.1مليون وظيفة جديدة.

فمما لا شك فيه بأن المخدرات بشكلٍ عام وباعتراف المجتمع الدولي وباعتراف الحكومة الأمريكية نفسها ممثلة في الرئيس ترمب الذي أعلن في أكتوبر 2017 حالة الطوارئ الصحية حول المخدرات، وبالتحديد إدمان الشعب الأمريكي على الأفيون، تُعد تهديداً مهلكاً لصحة الفرد من جهة، وتهديداً عصيباً لأمن وسلامة واستقرار المجتمع، فهل نترك قضية بهذه الخطورة، أو قضايا أخرى مشابهة للاستفتاء العام، ونتبع وسيلة الديمقراطية لتحليله أو تحريمه في المجتمع؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق