الجمعة، 9 مارس 2018

قواعد أمريكا العسكرية مُهددة، وجُزرنا مهددة أيضاً



نشر البنتاجون أو وزارة الدفاع الأمريكي تقريراً مفصلاً وشاملاً في 31 يناير من العام الجاري يؤكد فيه أن تداعيات ظاهرة التغير المناخي والمتمثلة في رفع مستوى سطح البحر وحدوث الفيضانات والأعاصير والرياح الصرصر العاتية ورفع درجة حرارة الأرض تؤدي إلى التهديد المباشر لأكثر من نصف القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الكثير من دول العالم، وبالتحديد ستُحدث هذه الانعكاسات الناجمة عن التغيرات المناخية تدميراً كلياً لـ 1684 قاعدة عسكرية من أكثر من 3500 موقع عسكري موجود بالقرب من السواحل البحرية حول العالم.

وقد قام مركز المناخ والأمن الأمريكي وبتكليف من الكونجرس والبنتاجون بإجراء هذه الدراسة البيئية الأمنية التي جاءت تحت عنوان :" تقييم المخاطر المتعلقة بالمناخ للقواعد العسكرية التابعة لوزارة الدفاع"، والتي هدفت أساساً إلى التعرف عن كثب على تداعيات التغير المناخي على القواعد العسكرية، وبالتحديد تلك الواقعة على الشواطئ البحرية في مختلف دول العالم.

وجدير بالذكر أن هذا التقرير الذي يحذر من تداعيات التغير المناخي على الأمن القومي الأمريكي وعلى قواعدها العسكرية خاصة وعلى الأمن والاستقرار الدولي ليس هو الأول من نوعه، فقد حذر الخبراء العسكريون وعدد كبير من الشخصيات الأمريكية المرموقة والمختصة بشؤون الأمن القومي الأمريكي في 16 سبتمبر 2016 بأن التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض يشكل تهديداً حقيقياً للقواعد العسكرية الأمريكية الساحلية نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر ونزول الفيضانات على المناطق الساحلية، كما أكدوا بأن سخونة الأرض والمردودات الناجمة عنها ستُشعل فتيل النزاعات على المستوى الدولي. كذلك أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 14 سبتمبر 2016 بأن البنتاجون يؤكد بأن التغير المناخي يشكل "تهديداً مضاعفاً" على الأمن القومي الأمريكي، وبالتالي سيعمل على إدخال وضم البعد المتعلق بالتغير المناخي في كافة أعماله وبرامجه التنفيذية، سواء أكانت متعلقة بتطوير الأسلحة والذخائر واختبارها، أو البرامج الخاصة بإعداد الجنود للحروب ورفع مستوى جاهزيتهم لخوض المعارك.كما وصف المتحدث باسم البيت الأبيض أثناء حكم أوباما التغير المناخي قائلاً بأنه: "لا يوجد تحد يهدد مستقبل أجيالنا اللاحقة أعظم من التغير المناخي، فالتغير المناخي لا يحترم الحدود الجغرافية للدول، وليس هناك دولة قادرة لوحدها على مواجهة التغير المناخي".

ولكن التناقض الذي أشاهده الآن في السياسة الأمريكية المناخية ولا أجد تفسيراً منطقياً له هو أن هذه التقارير الفنية المتواترة التي صدرت من جهات حكومية حول المردودات الأمنية للتغير المناخي على الأمن القومي الأمريكي لا تنعكس على مواقف واستراتيجيات وتوجهات ترمب الحالية، فهو في المقام الأول يشك في دور الإنسان ومسؤوليته في إحداث التغيرات المناخية ووصف أثناء حملته الانتخابية الرئاسية التغير المناخي بأنها "خدعة" صينية لضرب الاقتصاد الأمريكي، وأكد على هذا الرأي من خلال انسحابه في يونيو من عام 2017 من معاهدة باريس للتغير المناخي لعام 2015 التي وافقت عليها الغالبية العظمى لدول العالم، كما أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي نشرها البيت الأبيض مؤخراً خلت من الاعتراف بدور التغير المناخي على البيئة بشكلٍ عام وعلى الأمن القومي الأمريكي بشكلٍ خاص. وعلاوة على هذا، فإن سياسات ترمب المناخية تجد صداها في مواقف المسئولين عن البيئة الأمريكية، فعلى سبيل المثال، وفي الثامن من فبراير من العام الجاري قال رئيس وكالة حماية البيئة في جلسة استماع في الكونجرس بأن التغير المناخي لو كان واقعاً مشهوداً فهو قد يكون مفيداً للبشرية، فهو ليس "بالأمر السيئ بالضرورة"!

فاليوم نقف على مفترق طرق خطير، لا ندري من سيكون الرابح في نهاية الطريق، ولمن ستكون الغلبة والقول الفصل، هل هو المجتمع الدولي الذي أقرَّ بالإجماع معاهدة باريس للتغير المناخي لعام 2015 وأكد على دور الإنسان في رفع درجة حرارة الأرض، أم لأعظم دولة على وجه الأرض وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي انسحبت للمرة الثانية من معاهدة التغير المناخي، الأول من بروتوكول كيوتو للتغير لعام 1996 في عهد بوش الإبن، والثاني من اتفاقية باريس الحالية؟

أما نحن في البحرين فعلينا أولاً تبني مخرجات واستنتاجات التقارير الفنية الموثقة والأبحاث العلمية الموضوعية المتعلقة بالتغير المناخي، وثانياً تنفيذ قرارات المجتمع الدولي التي تؤخذ بالإجماع، كاتفاقية باريس للتغير المناخي. وانطلاقاً من هذه السياسة علينا اتخاذ الاحتياطات اللازمة وتبني الإجراءات الاستباقية للحفاظ على الأمن الوطني من تداعيات التغير المناخي، وبخاصة أن للبحرين وضعاً مميزاً وخاصاً تتضاعف فيه المردودات الناجمة عن التغير المناخي والمتمثلة في رفع مستوى سطح البحر ووقوع الأعاصير والفيضانات الساحلية. فجزر البحرين تقع أمتاراً بسيطة فوق سطح البحر، إضافة إلى أن أكثر من 33% من مساحة البحرين قد تم دفنها، فهي إذن تقع على مستوى سطح البحر فتكون عرضة مباشرة لأي تغيرات، ولو كانت بسيطة قد تحدث لمستوى سطح البحر، علماً بأن آخر دراسة نُشرت في 13 فبراير من العام الحالي في مجلة وقائع الأكاديمية الأمريكية القومية للعلوم أفادت بأن مستوى سطح البحر سيرتفع سنتيمتراً واحداً سنوياً.

فكيف نحمي جزرنا الطبيعية وجزرنا ومنتجعاتنا السياحية المصطنعة من شر التغير المناخي القادم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق