الثلاثاء، 27 مارس 2018

سبب جديد لارتفاع معدلات الجرائم


 


يُرجع العلماء المختصون أسباب وقوع الجرائم وارتفاع معدلات ارتكاب الجريمة في بعض الدول إلى عدة عوامل، منها العامل الديني والمتمثل في ضعف الوازع الديني وتردي قوة إيمان الفرد والذي يؤدي إلى انحراف السلوك وفساد تصرفات الفرد والتهاون في ارتكاب الجريمة، ثم هناك العامل الاجتماعي المتمثل في التربية الأسرية ومصاحبة الأشرار ورفقاء السوء والفساد وشرب الخمر وتعاطي المخدرات. وهناك أيضاً العامل الاقتصادي الذي قد يؤدي بالإنسان إلى القيام بأعمال إجرامية كالفقر المدقع وشُح المال، إضافة إلى البطالة والفراغ المميت. وعلاوة على هذه العوامل، فبعض العلماء يعزون قيام الأفراد بالجريمة إلى عوامل نفسية وبيولوجية والمتمثلة في الأمراض النفسية من الاضطرابات والاكتئاب المزمن من جهة والعوامل الوراثية التي يكتسبها الإنسان من آبائه وأجداده.


 


وكل هذه العوامل تعد من الأسباب التاريخية القديمة والمعروفة منذ زمنٍ بعيد، ولكن الأيام كشفت لنا عن عوامل جديدة لم تكن في الحسبان، ولم تخطر على بال أحد وتؤدي إلى قيام الأفراد بأعمال العنف والجريمة، وارتكاب أعمال مخالفة للنظام والقانون وأمن الدول.


 


وهذا العامل استجد الآن مع وضوح الرؤية حول البيئة وهمومها وشؤونها، وبالتحديد بالنسبة لمصير الملوثات السامة والخطرة التي سمحت أيدينا بانطلاقها ودخولها إلى عناصر البيئة من هواءٍ وماءٍ وتربة، ومن مصادر لا تعد ولا تحصى، فكل هذه الملوثات التي أطلقناها أنفسنا وبرضانا وأمام أعيننا لأكثر من قرنٍ طويلٍ من الزمن بدأت ترجع إلينا مرة ثانية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبعد سنواتٍ طويلة من مكوثها في مكونات بيئتنا وانتقالها مع الزمن من منطقة إلى أخرى حتى بلغت أعضاء أجسادنا دون أن ندري أو أن نحس بوجودها فينا. فهذه الملوثات نفسها بعد هذه السنوات كشرَّت الآن عن أنيابها، وبدأت تظهر فوق السطح على هيئة أمراض جسدية فسيولوجية مستعصية على العلاج، أو أسقامٍ نفسية وسلوكية.


 


ومن تأثيرات هذه الملوثات على سلوك الإنسان وتصرفاته اليومية هي جعله أكثر ميلاً للعنف وأعمال الشغب وارتكاب الجرائم. وهذه الظاهرة تعد حديثة نسبياً على المجتمع العلمي والطبي، فالأبحاث تنشر منذ أكثر من عقدين للتعرف أكثر على هذه الحالة المرضية السلوكية واكتشاف دور التلوث في إثارتها وتعميقها وآلية حدوثها.


 


ومن آخر الأبحاث التي نُشرت لدراسة مسؤولية ومساهمة التلوث في ارتكاب الجرائم، هي الدراسة التي صدرت في السابع من فبراير من العام الجاري في مجلة "العلوم النفسية" التابعة للجمعية الأمريكية لعلم النفس"، تحت عنوان: "تلوث الأخلاقيات: تلوث الهواء يتوقع الأنشطة الإجرامية والتصرفات غير الأخلاقية"، حيث أشارت نتائج الدراسة بأن التعرض لتلوث الهواء يؤدي إلى التصرفات العدائية وغير الأخلاقية كارتكاب الجرائم والقيام بأعمال العنف وممارسة الغش، أي بعبارة أخرى فإن هناك علاقة وطيدة بين درجة التعرض لتلوث الهواء وسلوكيات الإنسان الإجرامية. ونتائج هذه الدراسة تتوافق مع نتائج دراسة شاملة أجريت على 9360 مدينة أمريكية حول العلاقة بين تلوث الهواء في هذه المدن ومعدلات ارتكاب الجريمة في كل مدينة مثل القتل والاعتداء والسرقة، حيث أكدت بأنه كلما زاد تلوث الهواء في المدينة ارتفعت مستويات الجريمة، أي أن للتلوث دوراً حقيقياً في رفع درجات ارتكاب الجرائم بكل أنواعها في المجتمعات البشرية. 


 


فهذه الأبحاث الرائدة التي بدأت تخرج إلينا رويداً رويداً وبعد كل فترة من الزمن في مجال علاقة تلوث الهواء بسلوك الإنسان الإجرامي، تؤكد بأن كُلفة وانعكاسات التلوث لا تنحصر كما كان معروفاً سابقاً على الجوانب البيئية، أو الصحية العضوية، أو الاقتصادية، وإنما تتعدى هذه الحدود الجغرافية التقليدية لتكون لها كلفة خطيرة ومزمنة تهدد الإنسانية جمعاء، وهي البعد الأخلاقي والسلوكي الاجتماعي المتمثل في بُروز وانتشار الجريمة وأعمال العنف وعدم الاستقرار في مدن العالم.


 


والآن بعد أدركتَ العلاقة الوطيدة بين تلوث الهواء وارتكاب الجرائم، عليكَ أن تتخيل ماذا سيحدث للإنسانية وللمجتمعات البشرية في كل مدن العالم والتي تتعرض كل ثانية لمستويات مرتفعة من الملوثات التي تنبعث من وسائل النقل في البر والبحر والجو ومحطات توليد الكهرباء والمصانع، فهل سيتحول كل هؤلاء الملايين من البشر الذين يعيشون في المدن إلى مجرمين، وتتحول المدن إلى جحيم لا يطاق؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق