الأربعاء، 4 أبريل 2018

رؤيتي حول إدارة مخلفاتنا المنزلية


حادثة حقيقية وقعت في الثمانينيات من القرن المنصرم وبالتحديد في مارس 1987، ولكنني مازلتُ أتذكر تفاصيلها وكأنها وقعت بالأمس، وتتلخص هذه الواقعة الغريبة في تحرك بارجة عملاقة تحمل في بطنها آلاف الأطنان من المخلفات المنزلية من ميناء مدينة إسليب في ولاية نيويوك الأمريكية، حيث انطلقت هذه البارجة العظيمة بشحنتها في رحلةٍ مجهولة المصير من أجل التخلص مما هو موجود على ظهرها من المخلفات، فمواقع الدفن والتخلص من القمامة المنزلية في الولاية امتلأت وتشبعت بالمخلفات ولا تستطيع تحمل المزيد منها.

 

فانطلقتْ هذه البارجة مُسرعة تخوض عباب البحر، وتشق طريقها وسط الأمواج العاتية لعلها تجد من يخلصها من هذا العبء الثقيل الذي يجثم على ظهرها، فتوقفت عند موانئ ست ولايات أمريكية على المحيط الأطلسي، ولكنها لم تجد آذاناً صاغية تَرفق بحالها وتُرحب بحمولتها، فاضطرت إلى الذهاب إلى ثلاث دول خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية فقد تتعاطف معها هذه الدول وتجاملها فتزيل عنها هذا الحمل العصيب، ولكنها في كل الحالات تم رفض طلبها، وردها رداً جميلاً، فرجعت أدراجها خائبة متحسرة من حيث أتت ومن الميناء الذي غادرت منه، وذلك بعد ستة أشهر عجاف من الإبحار وقطع أكثر من تسعة آلاف كيلومتر في بحار العالم.

 

فهل مثل هذه الحالة يمكن أن تقع عندنا في البحرين؟

 

في تقديري ومن خلال خبرتي في مجال إدارة المخلفات البلدية الصلبة أو القمامة المنزلية بالتحديد، فإن هذا المشهد الذي وقع في ولاية نيويورك ليس ببعيدٍ عنَّا، فمؤشرات وقوعها نراها أمامنا جلية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. ولو تفحصنا الإحصاءات الرسمية حول الزيادة السنوية المطردة في كمية المخلفات الصلبة التي تنتج في البحرين لاقتنعتم جميعاً واتفقتم مع رؤيتي وتوقعاتي. ففي عام 2011 على سبيل المثال، كانت كمية المخلفات قرابة 1.2 مليون طن، وبنسبة زيادة تصل إلى 300%عما كانت عليه في عام2009، ثم ارتفعت هذه الكمية الآن لتبلغ نحو مليون و 800 ألف طن، وهكذا تزداد أحجام المخلفات سنوياً دون حسيبٍ أو رقيب، ودون أن تكون لنا رؤية واضحة أو استراتيجية موضوعية طويلة الأمد، أو سياسة علمية نعتمد عليها في إدارتها، أو تخطيط عملي واضح المعالم نسير على هديه ونقوم بتنفيذه خطوة بخطوة.

 

فالسياسة الموجودة الآن في التعامل مع المخلفات هي سياسة "اللاسياسة" أو سياسة "خُذوه فغُلوه"، أي نجمع المخلفات ثم نلقيها في مقابر جماعية تُعتبر هي المثوى الأخير لها، وهذه المقابر بدأت تضيق ذرعاً بالكميات التي تصل إليها فتدفن فيها يومياً، وقد يأتي اليوم الذي تتشبع هذه المقابر بالمخلفات فنضطر إلى حملها كما حدث في نيويورك.

 

ولذلك فإنني أحذر من خطورة الوضع القادم لا محالة، إذا أهملنا هذه القضية البيئية الصحية والأمنية، وإذا غفلنا عنها بعد اليوم، ورؤيتي في إدارة هذه المخلفات تتلخص في إتباع أداة الإدارة المتكاملة للمخلفات وتبني أكثر من طريقة للتعامل معها، وأُقدمها في النقاط التالية:

أولاً: تبني سياسة المنع من المصدر كأولوية في مجال إدارة المخلفات البلدية الصلبة، أي نتخذ إجراءات عملية وننفذ خطوات واقعية لنمنع، أو نخفض من إنتاجنا للمخلفات البلدية في المنزل، والمكتب، والمعمل، والمصنع، وجميع المرافق الموجودة في البحرين.

ثانياً: إتباع سياسة تدوير بعض المخلفات، مثل الورق أو البلاستيك أو الألمنيوم أو غيرها، والقيام بإنشاء البنية التحتية والآليات اللازمة لإنجاح عملية التدوير من كافة المصادر، كما على الحكومة دعم هذه العملية برمتها ودعم المصانع التي تقوم بتدوير هذه المخلفات، فالرابح النهائي هي الحكومة التي ستوفر كثيراً عند تكليف القطاع الخاص بهذه العملية.

ثالثاً: تحويل ما تبقى من المخلفات إلى مصنعٍ لحرق المخلفات بحيث يُطبق المصنع أكثر المعايير البيئية حزماً بالنسبة للانبعاثات التي تصدر عنها وبالنسبة لكمية ونوعية المخلفات التي تنطلق إلى الهواء الجوي، وفي الوقت نفسه يمكن توليد الكهرباء من عملية الحرق. وهذه الطريقة تُعد في تقديري من أنسب الطرق فاعلية واستدامة لظروف البحرين الخاصة التي تعاني من ارتفاع شديد في كمية المخلفات وضيق مساحة البلاد، إضافة إلى الشح الكبير في المواقع التي تصلح لدفن المخلفات الصلبة.

رابعاً: لا بد من وجود مدفن وموقع خاص لدفن بعض المخلفات الصلبة، مع اتباع المواصفات البيئية والصحية التي تُنَفذ في مثل هذه المواقع.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق