السبت، 21 أبريل 2018

الحقل النفطي العظيم والاعتبارات البيئية


بعد أن هدأت التغطية الإعلامية محلياً ودولياً عن الحقل النفطي العظيم الذي وهبه الله سبحانه وتعالى لنا، ومنَّ علينا بهذه الثروة الكبيرة والكنز المفقود الذي وجدناه، أَودُ أن أقف وقفة متأنية ومتأملة حول الجوانب والاعتبارات البيئية المتعلقة بهذا الحقل النفطي العملاق من ناحية طرق وأساليب استخراج هذا النفط والغاز الطبيعي من أعماق باطن الأرض السحيقة تحت سطح البحر.

فالمؤتمر الصحفي الذي عُقد في الرابع من أبريل والتغطيات الإعلامية الأخرى والوثائق الرسمية الموزعة لم تتطرق إلى قضية الأبعاد البيئية المرتبطة باستخراج النفط والغاز المصاحب وغير المصاحب، ولم تشر إلى الاعتبارات البيئية التي سيتم اتخاذها عند القيام بهذه العملية الضخمة والمعقدة جداً والباهظة التكاليف.

فالخبرات الدولية حول استخراج النفط أو الغاز من تكوين شيل الصخري الموجود على أعماق تزيد عن الألف قدم، والتي تراكمت خلال السبعين سنة الماضية في الدول التي سبقتنا كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين وكندا، تؤكد أن عمليات الإنتاج والاستخراج والنقل والتخزين لها بعض المردودات السلبية على البيئة ومواردها الطبيعية من ماءٍ وهواءٍ وتربة، ولذلك لا بد الاستفادة من هذه التجارب والخبرات الطويلة للأمم الأخرى، ولا بد من التطرق إلى هذه السلبيات والأضرار التي قد تقع على عناصر البيئة أثناء القيام بهذه العمليات بهدف أخذ الاحتياطات اللازمة من الآن، وتبني الإجراءات الضرورية لحماية بيئتنا وصحتنا، ومنع هذا الضرر عنا كلياً، أو في الأقل تخفيف والحد من هذه الأضرار كلما أمكن ذلك إلى الحد العملي والواقعي الأدنى.

فهذا النفط الصخري الذي تم اكتشافه أستطيع أن أُشبهه بأنه مُقيد ومعتقل في سجنٍ كبيرٍ مغلقٍ ومُحكم الأبواب والنوافذ ولا يمكن اختراقه، أو الدخول فيه إلا بعد كسر أبوابه أو تهشيم نوافذه، فالنفط موجود في تكوين صخريٍ كبير أو طبقة واسعة، وكأن هذا النفط يسبح تحت الأرض في بحيرة عظيمة مغلقة، لا توجد فيه أية منافذ، فلا بد إذن من تكسير هذه الصخور لعمل منافذ أو ممرات صناعية لفك قيود هذا النفط السجين واستخراجه من سجنه الكبير.

وفي مثل هذه الحالات يُستخدم مخلوط من سوائل ومركبات صلبة مختلفة ومعقدة في التركيب وغير معروفة الهوية كلياً، حيث إن أكثر من 98% من المخلوط يتكون من الماء العذب، ونحو 1% منه عبارة عن حبيبات الرمل أو السيرميك، ثم هناك مكونات أخرى بنسبٍ صغيرةٍ جداً مثل المواد التي تقلل وتخفف من الاحتكاك، ومركبات تعمل ضد نمو البكتيريا، ومادة عضوية تمنع التآكل والصدأ، وحمض الهيدروكلوريك، إضافة إلى مواد أخرى سرية مجهولة الهوية. فهذا المخلوط يُوجه إلى أبواب السجن الصخري المغلق بشكلٍ أفقي وتحت ضغط عال لكسر الباب وفتح النوافذ والممرات والثقوب الآمنة لاستخراج النفط أو الغاز، ويُطلق على العملية بتكسير الصخور بالماء، أو التكسير الهيدرولكي، وباختصار عملية الفراكينج.

فالدراسات السابقة والخبرات الماضية الثرية وثَّقت بعض الانعكاسات السلبية لهذه العمليات على البيئة، منها ما يلي:
أولاً: تلوث المياه الجوفية والسطحية بالمخلفات السائلة التي تنجم عن عملية الفراكينج أو كسر الصخور، وخطورة هذه المخلفات تعتمد على نوعية الصخور ومكوناتها من العناصر المشعة أو العناصر الثقيلة السامة، إضافة إلى بعض مكونات مخلوط السائل غير المعروفة.
ثانياً: احتمال وقوع الزلازل بسبب تكسير الصخور الموجودة تحت سطح الأرض وإثارة الهزات الأرضية وتحرك طبقاتها.
ثالثاً: عند كسر الصخور قد ينبعث غاز الميثان الذي يلوث الهواء الجوي ويفاقم من ظاهرة التغير المناخي، إضافة إلى انطلاق ملوثات خطرة ومسرطنة أخرى كالبنزين، وكبريتيد الهيدروجين، والفورمالدهيد.
رابعاً: هناك حاجة إلى أحجامٍ ضخمة جداً من المياه العذبة إضافة إلى الرمل، وهذه كلها موارد وثروات طبيعية شحيحة في البحرين.

أما عن حجم الضرر الذي قد ينزل على البيئة من هذه العمليات فيعتمد على عدة متغيرات، منها نوعية العناصر الموجودة طبيعياً في الصخور تحت سطح البحر، وموقع طبقات المياه الجوفية من عمليات الاستخراج، إضافة إلى المركبات التي تدخل في مكونات مخلوط السائل المستخدم في كسر الصخور وكيفية كسرها.

فالضرر إذن يمكن تجنبه، أو تخفيفه بدراسة كل هذه المتغيرات، واختيار ما هو أقل فتكاً وتدميراً لمكونات بيئتنا، فالأمر إذن يرجع إلينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق