الأحد، 22 أبريل 2018

هل نُكرر في البحرين أخطاء الصين التنموية؟


بعد أربعين عاماً من النمو الاقتصادي في الصين وبلوغ مستويات مرتفعة غير مسبوقة وصلت إلى أكثر من 11%، اقتنع الصينيون بأنهم وقعوا في الفخ العظيم الذي وقعت فيه الدول الصناعية الغربية واليابان قبل أكثر من خمسين عاماً، وتأكدت السلطة الصينية الآن واقتنعت كلياً أنها كانت منذ تلك السنوات تحفر قبرها بنفسها وبيدها حتى سقطت وهوت عميقاً فيه، ثم بعد ذلك أعلنت الحرب رسمياً على هذا النمَطْ المهلك لنفسه والمدمر لذاته والمعوق وغير المستدام للنمو الاقتصادي في البلاد.

 

وهذا الاقتناع والاعتراف بعدم جدوى النمط التنموي الذي أُتبع في الصين جاء على كافة المستويات والطبقات، بدءاً من أعلى سلم الهرم الرسمي السياسي والتشريعي للبلاد إلى طبقات العلماء والأطباء والمثقفين والمفكرين، ثم أخيراً إلى طبقة الشعوب البسيطة العاملة.

 

فقد أعلن الرئيس الصيني رسمياً في عام 2014 ولأول مرة في تاريخ الصين العريق "الحرب على التلوث"، وقال: "إنَّ علينَا أن نتعامل مع البيئة بالطريقة نفسها التي نحافظ فيها على حياتنا، وأن البيئة يجب أن لا تعاني من أجل النمو الاقتصادي"، وبعد هذا التصريح البليغ والواضح الذي وضع سياسة الصين واستراتيجيتها التنموية المستقبلية ورؤيتها في العلاقة بين حماية البيئة والتنمية الاقتصادية، جاء صدى الصوت من قيادات صينية أخرى، حيث أكد رئيس الوزراء قائلاً: "التلوث مشكلة رئيسة، والحكومة ستعلن الحرب على الضباب الملوث للهواء في المدن من خلال التخلص من السيارات الملوثة للبيئة وإغلاق الأفران التي تعمل بالفحم"، وأضاف مؤكداً وفي عبارات لا تقبل التأويل: "التلوث هو التحذير والضوء الأحمر للطبيعة بسبب النمو غير الفاعل والأعمى في بلادنا، ولذلك فإن تبني سياسة النمو البيئي المعقول ضروري وهام لحياة الناس ومستقبل أمتنا". كما اعترف عُمدة العاصمة الصينية وانج أنشن بهذا الوضع البيئي الكارثي وبخاصة بالنسبة للهواء الجوي عندما قال في 28 يناير من 2015 إن :"هواء بكين غير قابل للحياة"، أو بعبارةٍ أخرى هواء العاصمة الصينية لا يمكن العيش فيه بالنسبة للإنسان.

 

فهذه التصريحات القوية والانتقادات الحادة والحازمة للوضع البيئي المتأزم في الصين ومن قيادات سياسية عليا لم تُعرف من قبل باستخدامها لمثل هذه اللهجة الغليظة المشددة للتحدث عن أوضاع البلاد البيئية السيئة وعن الأسلوب غير المستدام للتنمية، كل هذه جاءت نتيجة لتدهور أوضاع جميع مكونات البيئة وانعكاسها المباشر على الأمن الصحي للإنسان إلى درجة عميقة وكارثية لا يمكن السكوت عليها، أو تجاهلها، بحيث إنها تحولت في المجتمع الصيني إلى قضية أمنية سياسية أثرت على استقرار البلاد وهددت استدامة التنمية في العقود القادمة، وكبدت الصين خسائر اقتصادية لا يمكن تقدير حجمها.

 

ودعوني أقدم لكم أمثلة سريعة تبين حجم الضرر الكبير الذي لحق بالبيئة الصينية حسب التقارير الحكومية الرسمية، فالهواء الجوي في بعض المدن الكبرى أصبح غير صالحٍ لحياة الإنسان إلى درجة أن هذا الهواء تحول من صحةٍ وعافية للناس إلى وباءٍ ومرض، كما اعترفت التقارير عن وجود أكثر من 500 قرية سرطانية في الصين، أي قرى ترتفع فيها مستويات الإصابة بالسرطان نتيجة لتدهور الهواء والمياه السطحية والجوفية وتسمم التربة. وفي المقابل أكدت هذه التقارير بأن 19.4% من الأراضي الزراعية، أي نحو 3.33 مليون هكتار، مسمومة بملوثات خطرة تهدد صحة الإنسان والكائنات الفطرية، وانعكس هذا التلوث على جودة المحاصيل وصلاحيتها لاستهلاك الإنسان، فزهاء 12 مليون طنٍ من الحبوب والرز التي تم إنتاجها كانت مسمومة بهذه الملوثات، إضافة إلى أن نحو 60% من المياه الجوفية مسمومة وغير صالحة للشرب و 85% من أنهار الصين غير صالحة للشرب.

 

فالحكومة الصينية الآن من خلال الكونجرس ومجلس الشعب ابتدعت مصطلحات جديدة تتناسب مع سياستها التنموية المستقبلية ورؤيتها ومفهومها التصحيحي الجديد حول حماية مكونات البيئة والمحافظة عليها والأنشطة التنموية الصناعية وغير الصناعية، فالوثائق الرسمية الصينية التي اطلعتُ عليها مؤخراً خلال شهر أبريل من العام الجاري كشفت عن مصطلحات وعبارات لم تُستخدم قط في أدبيات التنمية الاقتصادية، بل ولم أقرأ عنها في أية ورقة علمية أو دراسة تنموية، وبالتحديد عبارة "التنمية ذو الجودة العالية"، أو "التنمية ذو النوعية الممتازة"، وهذه العبارة الحديثة ستكون بديلاً في وثائق الحكومة الرسمية عن المصطلح الذي استخدم طوال الأربعين سنة الماضية وهو "النمو السريع".

 

فالتنمية الجديدة الآن في الصين تُركز على الإنسان أولاً وأخيراً، وتوجه نحو رفاهية الإنسان وسعادته، ليقطف هو ثمارها، ويأكل هو من طيباتها، ويجني من بركاتها وخيراتها.

 

فهذه هي التجربة الصينية التنموية الحديثة، رأيناها أمامنا، وشاهدنا تداعياتها وسلبياتها، فهل من متعظ ومُدكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق