الثلاثاء، 1 مايو 2018

حتى المياه الصحية المعبأة لم تَسْلم من المخلفات البلاستيكية!


كتبتُ سابقاً وحذرت كثيراً من المخلفات البلاستيكية، وبخاصة الصغيرة الحجم منها والتي يُطلق عليها الميكروبلاستيك أو الميكروبِيدزْ، وأكدتُ وبكل ثقة بأنه لم يبق على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا ودخلته هذه المخلفات المتناهية في الصغر، سواء أكانت في المدن الحضرية، أو القرى والأدغال البعيدة النائية، أو الجزر البحرية العذراء غير المسكونة.

فمن منكم يتخيل وصول هذه المخلفات البلاستيكية إلى ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي حيث لم تصلها أيدي البشر قط، ومن منكم يتصور بلوغ البلاستيك أجسام القشريات التي تعيش في الأعماق السحيقة المظلمة والباردة للمحيطات، وبالتحديد في أعمق بقعة بحرية على وجه الأرض وهي أخدود أو خندق ماريانا(Mariana Trench) المعروف في المحيط الهادئ، وعلى بعد أكثر من عشرة آلاف متر، أو عشرة كيلومترات تحت سطح البحر. ومن منكم خطر على قلبه وجود هذه المخلفات في أجسام الطيور وفي بطن الأسماك التي نشتريها من الأسواق فنتلذذ بطعمها، ونأكل في الوقت نفسه مخلفات بلاستيكية دون أن نشعر أو أن نحس بوجودها.

ومن منكم ورد في مخيلته يوماً بأن هذه المخلفات البلاستيكية المتناهية في الصغر والتي قد لا ترى بالعين المجردة قد تصل إلى مياه الشرب التي نشربها كل ساعة، بل وتبلغ مداها مياه الشرب المعدنية الصحية المعبأة والتي نشترى بعضها بأثمانٍ مرتفعة حفاظاً على أمننا الصحي؟ 

وهذا ما كنتُ أتخوف منه شخصياً وأنبه دائماً من وقوعه، فقد أكدت آخر دراسة قامت بها منظمة أورب ميديا(Orb Media) ونُشرت في العاشر من مارس من العام الجاري وجود الملوثات البلاستيكية في مياه الشرب الصحية في كافة أرجاء العالم، حيث أَجرتْ الدراسة تحليلاً لـ 259 عبوة أو زجاجة من تسع دول مختلفة تحتوي على مياه الشرب المعدنية الصحية المصنعة من 11 شركة مرموقة ومعروفة بتاريخها العريق في هذا المجال. وكانت النتيجة مفزعة ومخيفة ومفاجأة غير سارة لكل إنسان يعيش على سطح الأرض، فنحو 90% من العينات كانت ملوثة بهذه المخلفات البلاستيكية المجهرية وتحتوي على مُعدل 325قطعةمن جسيمات البلاستيك الدقيقة في كل لترٍ من الماء!

وبعد هذه الدراسات الميدانية وأبحاث كثيرة أخرى نُشرتْ سابقاً، استيقظتْ منظمة الصحة العالمية وأعلنت في 17 مارس من العام الجاري عن مراجعة شاملة لمعايير جودة مياه الشرب، وبالتحديد من ناحية نوعية وكمية المخلفات البلاستيكية الصغيرة والدقيقة الحجم، إضافة إلى تأثيراتها الصحية العامة على البشرية في كل أنحاء العالم.

والآن وبعد كل هذه الحقائق العلمية الدامغة، هل نستطيع أن نجنب أبداننا للتعرض للمخلفات البلاستيكية وجسيماتها الدقيقة التي تجذرت وتغلغلت في كل مكان، في البر والبحر والجو والكائنات الفطرية التي تعيش فيها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق