الأربعاء، 9 مايو 2018

هل نعاني من شُح الغذاء أم سُوء الإدارة؟


مع اقتراب شهر رمضان المبارك في كل عام نشهد ظاهرة رمضانية غريبة على آداب الإسلام وتوجيهاته المستدامة، وبعيدة عن التعاليم الراسخة التي جاءت في صلب الآيات القرآنية، ولا تنسجم مع هدي النبي عليه الصلات والسلام وممارساته الحياتية اليومية، كما أن هذه الظاهرة تتنافي مع سلوكنا الفطري وعادات الآباء والأجداد التي عاشوا عليها، وتتمثل هذه الظاهرة في الارتفاع المشهود في كمية المخلفات الغذائية، أو بقايا الأطعمة الزائدة عن حاجة البطن والجسم التي ينتجها الفرد في أيام رمضان الفضيلة، والتي تَلقى مصيرها في نهاية المطاف في مواقع دفن المخلفات، إلى درجة إنني منذ سنوات كتبت مقالاً تحت عنوان:"رمضان شهر المخلفات"!

 

وبالرغم من وجود ظاهرة تفاقم أزمة الإفراط في إنتاج مخلفات الطعام في بلادنا، إلا أنني عندما أطلعُ على الدراسات العلمية الميدانية حول ارتفاع إنتاج الفرد في مختلف دول العالم للمخلفات المنزلية عامة ومخلفات فضلات الأغذية خاصة، أجده ظاهرة عامة في الكثير من الدول، وبخاصة الدول الصناعية المتطورة والمتقدمة، بحيث إن إنتاج الفرد أو المجتمع برمته لمخلفات الأطعمة لا يختلف عن إنتاجنا للمخلفات في رمضان، أو في الأشهر الأخرى غير رمضان.

 

ومما يؤكد عالمية هذه الظاهرة الاستهلاكية المسرفة وعدم التوزيع العادل للموارد الغذائية بين الشعوب في الدولة الواحدة وبين دول العالم ويُثبت السلوك غير المستدام للكثير من شعوب العالم، هذه الدراسة الأمريكية المنشورة في مجلة "بلوس ون"(plos one) في 18 أبريل من العام الجاري تحت عنوان:"العلاقة بين مخلفات الطعام ونوعية الغذاء والاستدامة البيئية". فقد أكدت هذه الدراسة الفريدة من نوعها على أن الشعب الأمريكي يُلقي في القمامة وفي حاوية المخلفات أكثر من  15 ألف طن من مخلفات الطعام، أو بقايا الأكل يومياً أو نحو ستة ملايين طن سنوياً، أي أن المواطن الأمريكي يتخلص يومياً من نحو نصف كيلوجرام من أطيب أنواع المأكولات التي تزيد عن حاجته، كما أفادت هذه الدراسة إلى هدرٍ شديد في كمية الطعام التي تنتج في الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث إن 25% سنوياً من المواد الغذائية المتوافرة للاستهلاك لا تذهب إلى بطون الناس ولكن يكون مصيرها في القمامة، وهذه الكميات تكفي لسد جوع الملايين من البشر داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها الذين ينبشون ليلاً ونهاراً في حاويات القمامة  من أجل لقيمات يُقِمْن صُلبهم.

 

وعلاوة على هذا التبذير في سلوكيات التعامل مع بقايا المواد الغذائية والمردودات الاجتماعية والاقتصادية التي تنجم عنها، فهناك جانب آخر خفي لا يعلمه الإنسان البسيط، أو أنه لا يفكر فيه ولا يخطر على قلبه، وهو أن هذه الفضلات الغذائية التي يتخلص منها في حاويات القمامة ولا يلقي لها بالاً، قد كلَّفتْ البشرية الكثير من عدة نواحي حيوية لإنتاجها وإيصالها إلى المستهلك. أما الناحية الأولى فهي استنزاف الثروة المائية الطبيعية الشحيحة التي اسُتعملت في ري هذه المحاصيل الزراعية من خضروات وفواكه وغيرهما، والتي وبكل بساطة ألقاها الفرد في القمامة دون أن يحس بها أو أن يستفيد منها، والجانب الثاني فهو الأسمدة والمبيدات الخطرة والسامة التي تم استعمالها في الأراضي الزراعية لإنتاج هذه المواد الغذائية التي تم هدرها والتخلص منها. أما الناحية الثالثة فهي الهدر المفرط في استخدام الوقود ومصادر الطاقة لإنتاج الطعام للإنسان، إضافة إلى الملوثات القاتلة التي تنجم عن استخدام هذه المصادر للطاقة. أي أن الفرد عند قيامه بهذا السلوك البسيط في ظاهره والعميق والخطير في مضمونه ومدلولاته وهو رمي بقايا الطعام في حاوية القمامة قد استنزف الموارد المائية العذبة، ولوَّث المياه الجوفية والسطحية باستخدام الأسمدة والمبيدات، وتسبب في ارتفاع استهلاك الوقود وإطلاق السموم للهواء الجوي!

 

فظاهرة هدر الطعام وسوء إدارة وتوزيع هذه الثروة العظيمة تجعل تنميتنا على المدى البعيد غير مستدامة ومجتمعاتنا غير عادلة وغير صُحية. فهناك نشاهد أمامنا موت شعوبٍ برمتها من الفقر الغذائي المدقع ومن شدة الجوع ونقصٍ حادٍ في الطعام نوعاً وكماً، وفي الوقت نفسه نرى موت شعوبٍ أخرى ولكن في هذا الحالة من شدة السُمنة وارتفاع نسبة البدانة المفرطة والتُّخْمة المزمنة.

 

ولذلك إذا أردنا فعلاً أن نحقق هدف التنمية المستدامة في بلادنا، اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً، فعلينا الاهتمام بهذا الجانب الأخلاقي والإنساني التنموي والمتمثل في الإدارة البيئية المستدامة لبقايا الموارد الغذائية، سواء من ناحية منع أو خفض التخلص من هذه المواد الغذائية في حاويات القمامة، أو من ناحية الاستفادة منها لمن هو في أمَّس الحاجة إليها. كما إنه من الضروري لمعرفة مدى نجاحنا في إدارة بقايا الطعام وفاعلية الإجراءات التي سنتخذها في الحد من هذه الظاهرة الاستهلاكية غير الرشيدة أن نُضيف البعد المتعلق بإنتاج الفرد أو المجتمع لفضلات الطعام ضمن قائمة "المؤشرات" التي تقيس مدى تحقيق الدولة لأهداف التنمية المستدامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق