الخميس، 24 مايو 2018

ماذا ننتظر؟


مرجعية دول العالم الرسمية حول القضايا الصحية، أو أية قضية أخرى لها مردودات وانعكاسات على الصحة العامة والصحة المهنية هي منظمة الصحة العالمية التي تُعد الجناح الصحي للأمم المتحدة، فهي المخولة رسمياً على المستوى الدولي في الإفتاء في الهموم والشؤون الصحية على مستوى العالم، وتقديم النصح والإرشاد حول إدارة المشكلات الصحية، ووضع القوانين والأنظمة الدولية الخاصة بها.

ولذلك فالتقارير التي تصدر من منظمة الصحة العالمية ووكالاتها التابعة لها يجب أن تؤخذ على محمل الجد، فتعمل جميع الدول على الاطلاع عليها بدقة وتمعن، والاستفادة منها، وتنفيذ ما يتمخض عنها من استنتاجات وتوصيات. 

وتقرير منظمة الصحة العالمية المنشور في الثاني من مايو من العام الجاري حول التأثيرات القاتلة لتلوث الهواء يُقدم أدلة دامغة وبراهين علمية حاسمة على أن تلوث الهواء يقضي رويداً رويداً على البشرية ويدخلها في القبر في سنٍ مبكرة، وقد لخص المدير العام للمنظمة استنتاجات وتوصيات هذا التقرير الأممي الواضح الذي لا لبس فيه عندما قال بأن "تلوث الهواء يُهددنا جميعاً، ولكن الفقراء والمهمشين هم الذين يقع عليهم العبء الأكبر من تداعيات هذا التلوث، وهم الذين يتحملون تباعاتها الصحية، وإذا لم نتخذ إجراءات عاجلة لمواجهة تلوث الهواء فلن نتمكن من تحقيق التنمية المستدامة"، فحسب هذا التقرير نحو 95% من سكان الأرض، أو تسعة من بين عشرة من سكان الأرض يستنشقون هواءً مسموماً لا يُعينهم على الحياة والعيش الصحي السليم والمستدام، وهذا الهواء الملوث السام يقضي على أكثر من سبعة ملايين من سكان الأرض سنوياً وهم في سنٍ مبكرة قبل أن يصبحوا شيوخاً.

وهذا التقرير الأخير يقع ضمن سلسلة التقارير التي تصدرها المنظمة بشكلٍ دوري حول المسؤولية المتزايدة والمتفاقمة لتلوث الهواء في إصابة الإنسانية بأمراض مزمنة غير معدية وغير سارية كأمراض القلب، والجهاز التنفسي، وسرطان الرئة، حيث شمل التقرير الحالي قياسات ميدانية لجودة الهواء في 4300 مدينة يمثلون 108 دول، وبالتحديد ركزت هذه القياسات على الدخان، أو ما نُطلق عليه علمياً بالجسيمات الدقيقة بأحجامها المختلفة. ويُعزي السبب في هذا الاهتمام بالجسيمات الدقيقة لأنها الأخطر والأشد تهديداً وفتكاً بالصحة العامة، فهي المتهمة في إيقاع الإنسان في أمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى، فهذه الجسيمات تكون متناهية في الصغير، وقد لا ترى بالعين المجردة، وتستطيع الزحف مع الوقت إلى أعماق الرئة فتستقر وتتراكم في الحويصلات الهوائية، أو تنتقل إلى الأوعية الدموية القلبية ثم إلى خلايا المخ، فتعرضها للسكتات القلبية والدماغية والموت المبكر. وعلاوة على صغر حجمها، فإن خطورتها تكمن أيضاً في أنها تحمل في بطنها الملوثات السامة والمسرطنة التي تمتصها من الهواء الجوي، فيكون تأثيرها على المدى البعيد تراكمياً ومعقداً ومُركباً وشديد الضرر بصحة الإنسان.

وإضافة على تلوث الهواء في البيئات الخارجية من وسائل النقل المتعددة، ومن محطات توليد الكهرباء والمصانع، فإن هناك تلوث الهواء في البيئات الداخلية الذي يودي بحياة قرابة 3.8 مليون إنسان، معظمهم من النساء والأطفال، فهناك الكثير من الدول الفقيرة التي لم يُنعم عليهم رب العالمين، كما أنعم علينا، بمصادر الوقود النظيف ومنخفض التلوث نسبياً للاستخدام المنزلي في طهي الطعام وفي التدفئة، فهم يستخدمون أكثر أنواع الوقود تلوثاً وتدميراً لجودة الهواء في المنزل وأشدها ضرراً وتنكيلاً بصحة الإنسان، مثل بقايا مخلفات الحيوانات الصلبة، أو الفحم، أو الأخشاب، أو الكيروسين.

ولذلك بالنسبة لنا في البحرين علينا أن نرُكز بشكلٍ كبير ومباشر وفوري على مصادر تلوث الهواء في البيئات الخارجية، وبخاصة الملوثات التي تنبعث من السيارات أولاً، ثم من محطات توليد الكهرباء ثانياً، وأخيراً من ناحية الأولوية في التعامل والاهتمام من المصانع.

فلا بد من إعطاء الأولوية في برامجنا التنفيذية المتعلقة بحماية الهواء الجوي من الملوثات إلى عوادم السيارات، حيث إن أعداد السيارات قد تصبح في القريب العاجل أكثر من عدد السكان، ففي عام 2015 بلغ عدد السيارات المسجلة 545 ألفاً، ثم ارتفع ليصل إلى 653 ألفاً عام 2016، وأخيراً في عام 2017 بلغ 686150 سيارة، وكل هذا العدد الضخم من السيارات تعمل كمصنع متحرك يلقي إلى الهواء الجوي آلاف السموم الخطرة والمسرطنة التي يتعرض لها الإنسان مباشرة، مثل البنزين، والبنز وبيرين، والفورمالدهيد، والدخان الدقيق، وغيرها من الملوثات الأخرى. وهذه الملوثات تُكَون مع الوقت سُحباً قاتلة بُنية صفراء اللون تظهر في الأفق، ويُطلق عليها بالضباب الضوئي الكيميائي، وهذا الضباب عندما ينكشف في الكثير من مدن العالم تدق أجراس الإنذار وترتفع أصوات الأجهزة الإعلامية محذرة الناس من تجنب الخروج إلى البيئات الخارجية.

ولذلك أتساءل ما هي الخطط والبرامج التنفيذية التي وضعتها الجهات المعنية لمواجهة هذا التحدي العصيب القاتل الذي نبهتْ إليه منظمة الصحة العالمية؟  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق